حمد الكنتي

تجربتي مع خدمة ضيوف الرحمن

أتنهد جدًا، وأنا أكتب هذا المقال بعيدًا عن مكة والمشاعر المقدسة، فالتفكير في مضمونه يجعل جميع الذكريات الجميلة تستيقظ؛ لتمرّ بصورها وفيديوهاتها على جبين الذاكرة.
فلقد أكرمني الله بأن مسقط رأسي في الحرم، فمكة كلها حرم، واختارني لأكون جارًا لبيته العتيق، فالمنزل الذي عشت فيه 22 سنة من حياتي، كان يبعد عن الحرم أقل من مسافة كيلو متر واحد فقط، وهذه نعمة كبرى أحمد ربي عليها.

فظروف سكني جعلتني في قلب الحدث، فحارتنا تمتلئ بالحجاج حتى لا تكاد تجد فيها موطئ قدم أيام موسم الحج، وهذا ما جعلني أعمل في خدمة الحجيج منذ نعومة أظافري.
وكانت الأجواء في الحج تستدعي ذلك، فالكل يتجه لخدمة ضيوف الرحمن، ومن لم يجد عملًا في الحج سيشعر بأنه غريب!، فأغلب سكان الأحياء القريبة من الحرم المكي يعملون في موسم الحج.

أتذكر بأنني في مرحلة الصبا، مكثت أنا وأصحابي لعدة سنوات نبيع (الشاي، والحليب، والأندومي، والنسكافيه، والكيك) للحجاج في مكة، فأدوات هذه التجارة بسيطة، والحجيج يسكنون بجوار منزلنا، وبالتالي فإن العملية تتم بكل سهولة.
وكنت أنا وأخي مختار نبيع أحيانًا بعض البضائع التي يشتريها لنا أبي -رحمه الله- من محلات الجملة، منها:(الساعات المقلدة والثياب والأحذية) للحجاج في ساحات الحرم وفي مشعر منى، ومن شدة صغرنا حينها كان يشفق علينا مراقب البلدية، فيكتفي بطردنا من المكان لننتقل إلى موقع آخر.
ومن الذكريات الجميلة، بأنني عملت أيضًا أنا وأخي مختار في مكتبة ملاصقة بالحرم المكي عام 1998 ميلادي تقريبًا، حيث مكثنا نبيع فيها الكتب طوال موسم الحج، ولم نتسلم الرواتب حتى الآن!!

ولما كبرت عملت لمدة 8 سنوات في خدمة نقل الحجاج مع الحملات الخاصة بحجاج الداخل، حيث كنت ضمن فريق إرشاد الباصات، وكان أكثر شيئًا يقلقني أن يواجهني الزحام غير المتوقع الذي يخرب الخطط! ويؤجل وصول الحجاج لمسكنهم أو نسكهم.
وعملت أيضًا لموسم حج واحد كحارس لمخيم النساء في إحدى حملات حجاج الداخل، وهي تجربة لا تنسى لأنها كانت في موسم الأمطار الشهيرة التي هطلت على المشاعر المقدسة.
وعملت أيضًا لمدة 11 عامًا في خدمة إفطار الصائمين في شهر رمضان عند باب العمرة في الحرم المكي، كتبت عنها خاطرة قبل سنوات بعنوان (11 عامًا من الحب).
وعملت أيضًا لمدة موسم واحد مع (هدية الحاج والمعتمر) في (أحياء السنة) في ساحات المسجد الحرام في عام 2005 تقريبًا.

والجميل في كل هذه الأعمال المتنوعة في أشكالها وأوقاتها أنني عشقتها جميعًا، فلقد كانت بالنسبة لي كشيء أشبه بالترفيه من كونه عملًا ثقيلًا، حيث كانت فرصة للاندماج مع كل الثقافات، والانصهار بين كل الشعوب أضافت لي الكثير في حياتي، وشكلت أشياء أعرفها أو لا أعرفها في ذاتي.
وأحمد الله على كل هذه التجارب المهمة، وأتطلع إلى تجارب مستقبلية في خدمة أفضل لضيوف الرحمن أجمل ضيوف في الدنيا بأسرها.

حكمة المقال:
“اخدم ضيف الرحمن بمتعة؛ ليفرح قلبك وتنال الأجر من ربك”.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button