تتكرر صور الإنسانية في هذه المناسبة الدينية العظيمة التي تستضيف فيها هذه الأرض المباركة ضيوف الرحمن، وتظهر بوضوح الصورة التي تميز أبناء هذه البلاد من التفاني والسعادة في خدمة الحجيج، فالكل يعمل ويستشعر هذا الشرف العظيم الذي أكرمنا به الله -عز وجل- بالعمل والخدمة في هذه البقعة المقدسة، فما إن يأتي موسم الحج في كل عام، حتى تظهر صور ومشاهد تؤكد حرص أبناء هذه البلاد على خدمة ضيوف الرحمن والرغبة في تذليل العقبات أمامهم؛ لأداء مناسكهم في يسرٍ وسهولة، ليضربوا أروع الأمثلة في صفاء التعامل بشتى صوره مع حجاج بيت الله الحرام بمبادراتهم الإنسانية في كل مكان، ويقدّموا خدمات إنسانية فطرية للحجيج، خاصة كبار السن والأطفال بتعامل مثالي يرسم البهجة والسرور على محيا ضيوف الرحمن، وبتنوع الأنشطة والخدمات، فمنهم من يخدم المصلين والطائفين داخل الحرم، ومنهم من يقدم الخدمات الإسعافية أو تقديم الطعام وسقاية الماء وإرشاد التائهين، وغير ذلك من الخدمات التي تبرز ما يتمتع به أبناء هذه البلاد خاصة أبناء مكة المكرمة الذين جبلوا على خدمة الحجيج منذ نعومة أظفارهم بين أزقة مكة المكرمة القديمة وهم يعيشون بين الحجاج ويتذوقون لذة خدمة ضيوف بيت الله، والقيام بحسن الضيافة لهم ويعتبرون أن هذا من واجبهم تجاه الحاج والذي هو ضيف الرحمن.
ولقد أصبحت خدمة الحاج عند اهل مكة تقربًا إلى الله -عز وجل- ومحبة لضيوفه الكرام وتقديرًا لهم، فهم يرون أن هذا الموسم روحاني يتقربون فيه إلى خالقهم ويتشرفون بخدمة الحجيج، ما جعلهم مضربًا للمثل، في العمل والإيثار والتضحية، فلا تكاد تجد زاوية أو ممرًا إلا وهناك شاب على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة للحجاج خاصة لكبار السن أو الأطفال والنساء، يوجهون التائهين ويساندون المحتاجين ويطعمون الجائعين، ويتنافسون فيما بينهم لخدمة ضيوف الرحمن ويتفطرون وقوفًا طلبًا لرضا رب العالمين ولدعوة مستجابة من الحجاج، وبما يجسد ما يتميزون به من أخلاق الإسلام والحُب والإنسانية، فالحج بالنسبة لهم ليس طقسًا دينيًا فحسب، إنما نهج أخلاقي يظهرون فيه محاسن كرمهم في استقبال ضيوف الرحمن لما فيها من شرف للخادم قبل المخدوم.
إن المملكة العربية السعودية، حكومة وشعبًا، تضع في مقدمة اهتماماتها هذه الشرف العظيم الذي أنعم الله به علينا، ولقد أصبح التفاني والإخلاص هو ما يميز أبناء هذه الأرض المباركة الذين يعملون في كافة المجالات ليجسدوا أروع الملاحم في خدمة الحجاج أثناء تأدية مناسكهم.
إن هذه المبادرات والأعمال الإنسانية التي يسطر بها أبناء هذه البلاد المباركة أعظم المواقف في خدمة الحجاج ويبذلون أقصى الجهود لراحتهم وأمنهم بتعاملاتهم النبيلة هي أعمال ليست بمستغربة، وهي مفخرة لكل مواطن، فهم يبذلون الغالي والنفيس ليبقى هذا الوطن شامخًا آمنًا مطمئنًا بعون الله ورعايته.
فنحمد الله تعالى الذي أكرمنا بهذا الشرف العظيم الذي هو أمانة ومسؤولية كبيرة نتحملها على عاتقنا، ونبذل الغالي والنفيس من أجل المحافظة عليها، للظفر بالأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى.
وأسأل المولى سبحانه أن يعين كافة القائمين على خدمة حجاج بيت الله الحرام سواء أفراد أو مؤسسات أو جهات حكومية، من أجل أن تتضافر جهودهم وتتماسك أيديهم، وأن يكونوا بإذن الله تعالى على قدر الثقة والأمانة والمسؤولية التي وضعت على عاتقهم وأن يجعل أعمالهم خالصة لوجهه الكريم.