المقالات

شرارة التسول

خرجت قبل يومين للسوق بصحبة أختي لرغبتي في شراء بعض الأغراض قبل العيد. وأثناء تجولي في السوق، وهو سوق مفتوح نتنقل فيه بين المحلات، لفت انتباهي أمر ما. لم يكن ما لفت انتباهي البضائع أو المحلات أو المنظر العام أو البائعين وطريقتهم في البيع ولكن لفت انتباهي كثرة المتسولين من الأطفال تحت سن العاشرة، والذي بدى لي كمؤشر مزعج جداً.

فخلال تجولي في السوق إقترب مني طفل بحجة أنه يبيع المناديل وعندما أبلغته بأنني لا ارغب بشراء المناديل بدأ بالتسول طالباً لأي مبلغ مالي مسبغاً علي بشتى أنواع الدعوات والأمنيات لعل الله يتقبلها. ولكني تمكنت من صرفه عني. وإذا بأخر يقترب بنفس الحجة ألا وهي بيع المناديل ويتكرر نفس السيناريو، إلا أن هذا الطفل طلب مني أن أشتري له ملابس العيد.. وحقيقة ضعفت في البداية فقد كان طفل صغير لم يتجاوز التاسعة يرغب أن يكون عيده مميز بملابس جديدة، فأقرانه يلعبون في الشوارع أو منعمين في منازلهم يلعبون بأجهزة البلاي ستيشن أما هو فيجوب الشوارع بحثاً عن المال.. المهم ذهبت معه إلى المحل لأشتري له ما طلبه .. ولكني تراجعت ما أن اقتربت مني أختي تبحث عني. نعم تراجعت فقد دار في عقلي ألف سيناريو وسيناريو مثل: قد تكون عصابة تعمل على بيع الملابس الجديدة التي تعطى لهم بحجة الصدقة .. أو قد يكون مساعدتهم تشجيعأً لهم على الاستمرار.. لا أعلم ولكني تراجعت فضلت ترك الصبي يذهب يبحث عن آخر يسبغ عليه الدعوات والرجاوى. وما جعلني أصر على التراجع أكثر هو عدد النساء المتسولات والمتزايد في السوق نفسه..

لا زلت لا أعلم سبب ابتعادي عن الطفل خرجت من السوق فوراً ولدي شعور بتأنيب الضمير تجاهه وتتنازعني رغبتان الأولى العودة إليه وشراء ما طلب والثانية ترك الموضوع برمته، ما زاد في شعوري بتأنيب الضمير أنهم في أيام كهذه يقضونها بالتسول بدل الاستمتاع بالإجازة.

أخذ مني الموضوع مأخذه فبدأت أبحث في النت عن أي معلومة عن مكافحة التسول، ووجدت أنها تتبع لوزارة العمل والتنمية الإجتماعية، وتقدم العديد من الخدمات وتتعامل مع المتسولين بشكل جيد، كما جاء في موقعهم الإلكتروني، حيث يوجه ذوو العاهات والعجزة إلى دور الرعاية الاجتماعية للاستفادة من خدماتها، ويحال المرضى إلى المستشفيات المتخصصة حيث تقدم لهم الرعاية الصحية المناسبة دون مقابل أما المحتاجون مادياً فتصرف لهم المساعدات المالية من الضمان الاجتماعي أو الجمعيات الخيرية بعد دراسة حالتهم، كما يحال الصغار والأيتام الذين تنطبق عليهم لوائح دور التربية إلى هذه الدور حيث توفر لهم الإقامة المناسبة والتنشئة الاجتماعية السليمة، أما المتسولون الأجانب الذين يشكلون نسبة عالية من المتسولين فإن مهمة متابعتهم وإنهاء إجراءات ترحيلهم تعنى بها الجهات الأمنية المختصة. ومع هذه الخدمات لا زالت الظاهرة موجودة، وهنا نقف أمام عدد من الأمور التي يجب أن يُلتفت إليها في وقت مبكر:

– ظاهرة التسول المبطن بالعمل أمر خطير صحيح أنها بأعداد بسيطة الان ولكنها قد تزيد خاصة إذا كان لها مردود مالي جيد عليهم .. ونحن شعب عاطفي نحب أن نتصدق وأن نعطي، ونظرة طفل يعاني تكفي لان نخرج كل ما في جيوبنا.

– كثرة الاطفال المتسولين دون سن الخامسة عشر في الاسواق المفتوحة وعند الاشارات يتجولون بكل أمان وراحة ويتنقلون بين السيارات والزبائن بأريحية. وقد أضحوا يتسولون دون حرج أو خوف من أي سلطة وكأن بيعهم للمناديل غطاء رسمي للتسول..
– عدم وضوح الطرق والآليات التي يمكن أن تتبع من قبل المواطن لعلاج مثل هذه المشكلة من ناحيته كأن يعين خط ساخن للإرشاد عن كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف وأنا هنا لا أعني الإبلاغ عنهم فبعظهم قد يكون محتاج فعلاً وليس تسولاً فقط ولكن أعني مساعدتهم دون احراجهم ولكن بطرق رسمية ..
– نحن شعب عاطفي متدين لحد إساءة فهم المقصود (بالمحتاج للصدقة) وبالتالي نسمح للكثير بأن يستغل هذه النقطة فينا فنرى الطفل يستعطفنا، ونرى المرأة تتسول جالسة بطفل رضيع تحت الشمس لنشفق عليها، ونرى عامل النظافة في الشوارع ينظف في أماكن لا تحتاج للنظافة تاركاً خلفة المكان الذي يحتاج لنظافة …. الخ.

لا ننكر جهود الدولة العظيمة في تلبية الاحتياجات ولكن وجود هذه الفئات والتي بدأت تظهر بكثرة وكثافة بشكل يدعو للاستغراب يحتاج لوقفة. فإذا هم بحاجة للمساعدة كيف يمكن ان نساعدهم نحن كمواطنين وكذلك الجهات المختصة. وإذا كانوا أشخاص دخيلين يبحثون عن الكسب المالي أو لقمة العيش يجب أن ينظر في سبب هذه المشكلة أيضاً. فبعضهم من جنسيات مختلفة دخلت الدولة بسبب ظروف بلادهم السياسية سمح لهم بالدخول وبقوة النظام يمنعون من العمل… فنحن لا يمكن أن نفتح بلدنا لفئات وجنسيات ونمنعهم من العمل ثم لا نتوقع منهم أن يبحثوا عن طريقة ليقتاتو بها بغض النظر قانونية أم لا..

لذا يجب أن يتم الوقوف على هذا الأمر بشكل فعال و من المهم التأكيد على أهمية تحقيق عدة نقاط:

– أولاً تثقيف الشعب نحو هذه الممارسات فلا يعطون المال للمتسولين في الشوارع، ولا لعمال النظافة وإنما هناك جمعيات مقرة من الدولة يمكن أن ندفع لهم الصدقات التي نرغب بها كما وفرت الحسابات الخاصة بالجمعيات الرسمية المقرة من خلال البنوك..

– وقد يكون هناك عائلات تحتاج إلى المساعدة يجب أن توجد آلية لمساعدتهم بما يكفل استمرارية المساعدة وبالتالي الحياة الكريمة، كأن يوفر لهم وظائف للعمل بها، تسجيلهم في أنظمة الدولة التي تخول حصولهم على المساعدات الرسمية دون الحاجة للسؤال، تسجيلهم في الجمعيات الرسمية التي تعنى بإكسابهم مهارات يستخدمونها ويطورونها لكسب عيشهم، ويجب أن يتم الإعلان الجيد عن هذه الجمعيات لتكون معروفة كأسم وخدمات.

– نشر شرطة مكافحة التسول على مدار 24 ساعة في الأسواق والشوارع مع وجود أنظمة وعقوبات تصاعدية لمن يتم الامساك به. ويجب أن يتم التعامل معهم بما يكفل لهم توفير حياة كريمة إذا كانوا محتاجين أو رادعة إذا كانوا مستسهلين.
– إيجاد حلول سريعة للجاليات التي تدخل الدولة بشكل نظامي بسبب الظروف السياسية لبلادهم فتوفير لقمة العيش لا يقل أهمية عن توفير الأرض للإقامة.

– ترحيل الجاليات التي تدخل الدولة بشكل غير نظامي.
قد تكون ظاهرة التسول ظاهرة موسمية حيث تظهر أكثر في الأعياد وخلال شهر رمضان ولكن عدم احتوائها قد يزيد انتشارها، فمعظم النار من مستصغر الشرر..

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button