كثير من المشاعروالصفات قد ينفرد بها الإنسان وحده عن باقي المخلوقات وهناك صفات يشترك الحيوان في الاتصاف بها مثل الشعور بالحزن والألم والغيرة فهل الغيرة صفة إنسانية بامتياز ؟ الجواب نعم هي صفة إنسانية لكن الحيوانات أيضاً تشعر بالغيرة إما على ذويها كأن تغار الدابة على شريك حياتها كالجمل أو الغيرة من بعضهم البعض أو حتى الغيرة من أن يحب الإنسان حيواناً آخر أكثر منها فمثلاً تجد القطة تغضب إن وجدت صاحبها يحن على غيرها والكلب كذلك والخيل .
الغيرة إنما تتولد من شعور المخلوق بذاته وحبه لها قبل حبه لطرف آخر يغار عليه ، وهذا يفسر غيرة بعض النساء على أزواجهن و هن لايحملن أي محبة لهم ولو سألتهن لأجابت كرامتهن صارخة بدل مشاعر الحب ، فالغيرة إذن تبدأ وتنطلق من الشعور بالذات و تنتهي بالشعور نحو الطرف الثاني ، والغيرة مسألة معقدة تأخذ صوراً مختلفة ومتباينة فتجد إنساناً يغار من آخر و آخر يغير على إنسان آخر وثالث يغار من جماعة وجماعة قد تغار من فرد ، وفي القرآن الكريم وردت قصة إخوة يوسف كبرهان جليِّ على تسلط الغيرة على صاحبها إلى أن تصل به إلى تصرف فيه أذى وهلاك ، فإخوة يوسف تذمروا من محبة أبيهم ليوسف وأخيه من أمه وتفضيله عليهم وهم الجماعة إذ كانوا عشرة إخوة ،وتم ترجمة تلك النار المتقدة والتي نفخ فيها الشيطان بنشوة إلى سلوك عملي باقتراحات مهلكة بالقتل أوالنفي ليفوزوا بالاستئثار بأبيهم بل إنهم خططوا للتوبة قبل اقتراف الذنب (وتكونوا من بعده قوماً صالحين) ، وأبوهم كان قد حذر يوسف بألا يقصص رؤياه المبشرة له بالملك والتمكين في الأرض عليهم حتى لايكيدوا له وهو العالم بغيرتهم منه فيعقوب قد عانى أضعافاً هنا فقد عانى من غيرة أولاده الذين يحبونه من أخيهم الذي يحبه وفي هذا ألم وعذاب فغيرة القريب أقسى وأشد من غيرة الغريب .
وقد تنقلب بعض أنماط الغيرة – إذا مرت بمراحل متقدمة من الانغماس في حب الذات والانتصار لها – قد تتطور إلى ماهو أشد ، إلى حسد أو حقد أو غل والثلاثة مرفوضة في النفس المسلمة ، فالإسلام يريد الفرد نقياً متصالحاً مع الذات ومجتمعه كذلك راقياً خالياً من دهاليز الحسد وسراديب النفس والعين ، وقد قرر النبي بأن العين حق وأن نصف القبور إنما يدخلها أهلها بسبب العين والنفس التي لم تطلق شفرة الحماية والتحصين قبل إطلاق صاروخ الحسد والإيذاء ويالها من شفرة بسيطة لاتحتاج إلا لكلمات معدودة هي (ماشاءالله لاقوة إلا بالله) حتى يوقف طلقة العين أن تصيب الهدف بقدرة الله ، والمؤمن الحق لايحب ولايجب أن يكون حساداً بل عليه أن يسأل الله في سجوده أن ينزع مافي قلبه من حسد إن وجد لكي لايحسد حتى ذريته ، والمجتمع الإسلامي يعاني ويلات كثيرة من جراء العيون فكم من جسد أنهكه المرض حسداً وكم من نفس أكلها الهم عيناً وكم من بيت تهدم فوق رؤوس ساكنيه حقداً وغلاً ، وآن الأوان للمسلمين أن يراجعوا مدى قوة إيمانهم وخوفهم من الله فليحاسب كل منا نفسه ويراجع شريط أعماله وخبايا وجدانه وليفند علاقته بالحسد فإن كان حاسداً للغير كارهاً للخير فليعلم أنه آثم وأن خير القلوب قلبٌ خلا من حسد وحقد وللأسف البعض لايجد في ذلك غضاضة بل يتلذذ بالنطق بكلمات الحسد جهاراً وإظهار العين عياناً وكأنهم يعلنون بأن هذا احتجاجهم على نقصهم وكمال من يحسدون – نعوذ بالله من ذلك .
نمط آخر من أنماط الغيرة هو غيرة المحبين والعاشقين كغيرة المرأة على زوجها والعكس ، ولشكسبير هنا مقولة جميلة (المرأة العاقلة لاتغار، قيل: ولماذا؟! قال:لأن غيرتها اعتراف منها بأن هناك من هي أجمل) لكننا نختلف مع الفكر الشكسبيري هنا فالغيرة ليست فقط تعبيراً عن الحب بل عن الكرامة والاعتداد بالذات لا ضعف الثقة بالذات ، وراقت لي عبارة أحدهم (ولو كان معشوقي أغنية لعزفتها على جمهور أصمَ.. هكذا غيرتي) وللناس في اتجاهاتهم ومشاعرهم مذاهب وطرق تتأرجح بين التشدد والتفريط في ميدان الغيرة ، فقليل من الغيرة ينعش النفس ويداعب الوجدان فتصيبه النشوة وكثيرها يقتل المتعة وقد يحيل الحب من كائن حي إلى كيان ميت بسبب الاختناق .
لك أن تغار ، فأنت بشر ، لكن عليك بتهذيب هذا الشعور الإنساني وماينتج عنه من تصرفات وأقوال ، فإن كانت الغيرة عن حقد وحسد فاكبح جماح شيطانك وتغلب على رغبتك في اختفاء النعمة عن الغير وحينها تكسب ذاتك واحترامها وسكينتها، وإن كانت الغيرة بسبب عارض الحب وأعاصير العشق والتملك فاحذر أن يكون في الريح عذاب وهلاك بدلاً من الغيث والمطر .
الغيرة جميلة في بعض الوقت ومزعجة ثقيلة في كل وقت ،حتى الحب إن انهمر كسيل جارف ليلاً نهاراً أغرق و وأد المحبوب تحت ركام الأرض ، أما إن فاضت الأرض بنور الشمس إشراقاً حيناً وعاد الغيث يداعب ثنايا التربة بقطرات المطر حيناً آخرلظهر قوس قزح وفاح الطين بعبق أريج المطرفيعانق حواسك بشغف يشعره فقط من يحب ذاك المزيج من دفء الشمس وألق المطر ، فذاك هو الفطن لحالي الحب والغيرة وكيفية إبداءهما معاً .
وهج :
إيه ياشمسُ .. أنّى لي بشعاعٍ بهيّ ..
وإيه يا مطرُ.. ليتني من رحيقِكَ أرتشِفْ
كم من نهارٍ .. أحْرَقْتِنا وما هناكَ فَيّ ..
وكم من ليالٍ أمطَرَتْ ..في المهالكِ نرتجفْ
أريدُكِ يا شمسُ ساعةً تَهَبي بِضَيّ ..
والساعةَ الأخرى ديمةٌ تحنوبغيثٍ مُحترِفْ
مقال بليغ فى علم النفس عن الغيره وفوائدها. اذاكانت فى حدود المعقول ومضارهاالكثيره اذا كانت فى حدود اللامعقول .
لذا قيل فيها ( لولا الغيره ما كبرت الصغيره) سوأ كانت فى تلحياة الزوجيه اوالفرد اوالجماعه وهكذا توسع الدائره الى مجتمع عشأيرى وقبيلى وهكذا
وكما فى المقال لك ان تغار فأنت بشر تغار عن حب عن عزة نفس ولكن عليك ان. تهذب هذا الوجدان ليكون جميلآ … فبدلآ أن تكون عاطفى بغيرتك سوف يتتطور سلوكك وتصبح حسوديآ
شكرآ أختى الدكتوره فاطمه على هذا المقال االرائع فى علم النفس .