المقالاتد. خالد محمد باطرفي

النفط الأبيض: حلم خالد، مشروع سلطان، رؤية محمد بن سلمان

شاهدت مؤخرا فيلمًا وثائقيًا لزيارة الملك فيصل التفقدية لمنطقة عسير، عام ١٩٧٢م، وافتتاحه لعدد من المشاريع، أبرزها مدينة الملك فيصل العسكرية في خميس مشيط. ورغم أن التصوير كان تلفزيونيًا لا سينمائيًا، وبالأسود والأبيض، إلا أن جمال المنطقة وطبيعتها الساحرة لم تخف على الكاميرا. كم لم تخف محدودية الخدمات العامة في المنطقة البكر، وصعوبة الوصول إلى أجمل معالمها.

عندما تولى الأمير خالد الفيصل إمارة عسير، عام ١٩٧١ م، كانت عسير تفتقر إلى البنية التحتية الحديثة، فقد كانت الوسيلة الوحيدة للوصول إليها مطارًا بدائيًا، وطريقًا معبدًا بينه وبين العاصمة الإدارية أبها، والتجارية خميس مشيط. ومنذ الوهلة الأولى استطاع الأمير الشاعر التعرّف على الميزة الأساسية في المنطقة، وهي “السياحة”. فعسير جبلاً وتهامة تتميّز بثروة طبيعية مبهرة تتمثّل في الطبيعة الساحرة والتراث العمراني وشواهد تاريخية وحضارية قائمة.

أما موارد الإنتاج الأخرى فقد كانت الزراعة التي تعتمد على الأمطار الموسمية بالدرجة الأولى مع صعوبة تصدير المنتج في غياب وسائل المواصلات الحديثة وشبكات الطرق.

خلال سبعة وثلاثين عامًا، وبدعم من قيادته، أشرف الأمير خالد، خريج جامعة أكسفورد، على إنشاء بنية تحتية وفوقية متكاملة للمنطقة الجبلية الوعرة والنائية. وكلما اكتملت حلقة من حلقات التنمية وتوافرت شبكات المواصلات والاتصالات والرعاية الطبية والخدمات العامة والأهلية، سهل تحقيق الحلم الكبير، السياحة.

كان الطريق إلى النجاح شاقًا وطويلًا، ولعل أهم التحديات تمثّلت في إقناع الفئات المعارضة للسياحة بأن انفتاح المنطقة على العالم وقدوم جحافل السياح من المناطق والبلدان الأكثر انفتاحًا ومدنية لن تؤثّر سلبًا على ثقافة وتقاليد المجتمع العسيري المحافظ. إلا أن معظم فئات هذا المجتمع أدركت مع الوقت مدى الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسياحة، والحقيقة أن منطقتهم أصبحت مقصدًا صيفيًا رئيسًا، يؤمّها الزوار من جميع أنحاء البلاد ومنطقة الخليج للاستمتاع بالطقس البارد والعديد من عوامل الجذب الطبيعية والثقافية. وهكذا أصبحت السياحة مصدرًا أساسيًا للدخل وفرص العمل، وأيضًا لاعتزاز وفخر كل عسيري.

التعليم والإعلام كانا من أهم وسائل التغيير. فقد استطاع الفيصل على مدى أربعة عقود إيصال رسالته من خلال كافة وسائل الإعلام المحلية والخارجية، وعبر المهرجانات الثقافية، والمناسبات الرياضية. ومن خلال التعليم أشرف على إنشاء أحد أكبر الجامعات السعودية، جامعة الملك خالد، كما أسس كلية الأمير سلطان للسياحة والإدارة في أبها عام ١٩٩٩م، ثم في جدة (٢٠٠٧م)، كجزء من جامعة الفيصل لنشر مفهوم السياحة وتدريب جيل جديد من محترفي تقديم خدماتها وإدارة منشآتها.

وشملت مشاريع ومبادرات خالد الفيصل تأسيس نادي أبها الأدبي وجمعية الثقافة والفنون، ومهرجان الأغنية، وجائزة أبها للتميز الثقافي، وقرية المفتاحة للفنون في الحي القديم لمدينة أبها، ويشمل استوديوهات الرسامين وأماكن إقامتهم، ومعارض ومحلات تجارية ومحلا لبيع الكتب، إضافة إلى أحد أكبر المسارح في البلاد بسعة ٣٠٠٠ متفرج.

حلم الأمير الشاعر لم يتحقق في عسير فقط، بل انتشرت أفكاره لتطوير السياحة والتعامل معها كمصدر للدخل والوظائف والثراء الثقافي والنشاط التجاري والاستثماري لمختلف أنحاء المملكة، وهو اليوم يشرف على تنفيذ رؤية السعودية ٢٠٣٠ السياحية في منطقة مكة المكرمة. ولحسن الحظ، فالإمكانيات والبنى التحتية اليوم تسمح بأكثر مما سمحت به في تجربته الأولى. فمن جدة عروس البحر، إلى مكة المكرمة، العاصمة الدينية للعالم الأسلامي، وحتى الطائف عروس المصايف، تتوافر الفرص الواعدة لنهضة سياحية كبرى.

السياحة، كما تؤكد رؤية ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وكما أثبت الأمير خالد الفيصل، وكما يثبت لنا أمير السياحة، سلطان بن سلمان، كل يوم، هي فكر قبل أن تكون مجرد فكرة. وإن استطعنا نشر هذا الفكر وأحسنا توظيفه لتوفر لبلادنا، أرض الحرمين الشريفين، وجزيرة العرب، مصدر ووعاء هائل للاستثمارات والوظائف والدخل القومي.

موسم العمرة هذا العام سيبدأ من أول شهر محرم، بعد أن كانت بدايته في غرة صفر، والهدف المرسوم في رؤية السعودية هو رفع عدد المعتمرين إلى ٣٠ مليونًا بحلول عام ٢٠٣٠. وفتح باب السياحة الخارجية يستهدف ةستضافة ملايين السياح العرب والأجانب. وتشجيع السياحة المحلية بتوفير المزيد من الخدمات الترفيهية والفندقية والعامة يستكمل الدورة السياحية على مدار العام، ولكافة مناطق المملكة. وخلال عقد من الزمان ستكون السياحة، بإذن الله، النفط الأبيض الذي لا ينضب.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button