المقالات

لا للطب والهندسة..!!

في مجتمعنا يقول الأب أو الأم لطفلهما أو طفلتهما منذ نعومة أظفاره:

–       يا ولدي عايزك تكون دكتور أو مهندس!

وينشأ الأطفال منذ صغرهم على هذه الثقافة التي تُعلي من شأن الطب والهندسة، دون أي اعتبار لرغباتهم وميولهم، وتحط في المقابل من شأن التخصصات الأخرى التي لايذهب إليها في مفهوم الكثيرين إلا أصحاب المستويات الأكاديمية المتدنية!

وهكذا يتجه كثير من المتميزين والمتفوقين أكاديمياً إلى ما يسمى بالمساق العلمي، ليلتحقوا بالطب والهندسة، مجاراة للمجتمع، ودون رغبة منهم؛ فلا يبدعون ولا يتميزون، ويتركون بقية التخصصات الأخرى للحاصلين على درجات متدنية أكاديمياً، بينما يلتحق بما يسمى بالمساق الأدبي الذي تنضوي تحته تخصصات الشريعة والسياسة والاقتصاد والقانون والتربية وعلم النفس وغيرها من التخصصات المهمة يلتحق بها من ليس أهلاً لها، ومن دخلها دون رغبة منه – إلا من رحم الله تعالى-، ليتقلدوا المناصب العليا والحساسة في البلاد، ويديروا شؤونها بنظرة قاصرة ورؤية متخبطة؛ فتكون النتيجة التدهور الذي يشمل مناحي الحياة كافة، دينيةً وسياسيةً واقتصاديةً!

ويزداد الطين بِلة بكثرة كليات الطب والهندسة التي أُنشئت لتلبية الاتجاه السائد في المجتمع، متساهلة في شروط القبول؛ ليلتحق بهذه المجالات من يبحثون عن الوجاهة والمكانة الاجتماعية دون تأهيل علمي ولا تميز أكاديمي؛ حتى كاد عدد الأطباء يفوق عدد المرضى، وكاد عدد المهندسين يفوق عدد القطع السكنية!

     وهذا عكس الموجود في الدول المتقدمة التي يُترك فيها الالتحاق بالتخصصات المختلفة للرغبات والميول، فيُبدع الساسة، ويتفوق الاقتصاديون، ويتميز الأطباء، ويتطور المهندسون، ويتقدم البياطرة، ويسود الرقي والازدهار شتى مناحي الحياة، بتخصصاتها العلمية والإنسانية والأدبية.

نعم، إن لكل قاعدة شواذاً، فهناك من التحق بالطب والهندسة من تلقاء نفسه ودون إملاء من أحد؛ فتميَّز ونبغ، كما أن هناك من التحق بالتخصصات الأخرى بمحض رغبته وملء إرادته، فأبدع وأجاد.

وهناك من التحق بالطب والهندسة فلم يجد نفسه فيهما، ليتحول إلى تخصصات أخرى، ضارباً بثقافة المجتمع وانتقاداته عرض الحائط، والأمثلة على ذلك لا تُحصى!

ختاماً، كفانا ضخاً لمزيد من الأطباء والمهندسين دون دراسة علمية لحاجة المجتمع الحقيقية؛ حتى عجزنا أن نجد لهم فرص عمل كريمة، ولتتغير هذه الثقافة المجتمعية القاصرة التي ترفع من قدر الطب والهندسة والمنسوبين إلى ما يسمى بالمساق العلمي على حساب بقية التخصصات المنسوبة إلى ما يسمى بالمساق الأدبي، بل ترفع الطب والهندسة نفسيهما على بقية التخصصات العلمية، من كيمياء وفيزياء وبيطرة وزراعة وغيرها.

وليُعاد النظر في هذا التقسيم المجحف (المساق العلمي والمستق الأدبي)، وليذهب النوابغ والمتفوقون ليتقلدوا أماكنهم الطبيعية التي يجدون أنفسهم فيها؛ فيخرجوا لنا فقهاء مجتهدين، وساسة جهابذة، واقتصاديين حُذّاق، ومعلمين مخضرمين، وإعلاميين متميزين، وأدباء مبدعين، وقانونيين نوابغ، وكيميائيين أكْفَاء، وأطباء بارعين، ومهندسين متفردين، وغيرهم.

وعذراً أيها الأطباء والمهندسون؛ فليس القصد من هذا المقال التنقيص من قدركم، ولا الحط من منزلتكم، بل المقصود أن يُنظر إلى جميع التخصصات على قدم سواء، باعتبار أن لكل منها دوره المقدّر في النهضة والبناء، وأن تُراعى رغبات الطلاب وميولهم، دون ضغط من أحد ولا وصاية.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى