المقالاتد. عبدالحفيظ محبوب

ضربات متلاحقة تتلقاها إيران

بعد نزاعات استمرت 20 عامًا، وقع قادة الدول الخمس المطلة على بحر قزوين، وهي أذربيجان، وكازاخستان، وروسيا، وتركمنستان، وإيران في مدينة أكتاو الساحلية الكازاخية على اتفاقية جديدة تؤطر الوضع القانوني لبحر قزوين الغني بالموارد في 12 أغسطس 2018، وهي القمة الخامسة منذ عام 2002 ومنح بحر قزوين وضعًا قانونيًا على أنه بحرًا وليس بحيرة.

بحر قزوين غني بالطاقة يضم 50 مليار برميل نفط و9 تريليونات متر مكعب من الغاز، وحينما تسمح الاتفاقية بالوجود العسكري من شأنه أن يعزز من الهيمنة البحرية الروسية على أكبر مسطح مائي مغلق في العالم بمساحة نحو 70 ألف كيلو متر مكعب، أي أكثر من بحري الشمال والبلطيق، ويغذيه نهر الفولجا.

إيران هي الخاسر الأكبر في الاتفاقية؛ حيث لم تحصل إلا على 13 في المائة من بحر قزوين بدلًا من 20 في المائة، وتعتبر كازاخستان أكبر فائز حيث إن أكثر من نصف ثروة النفط في بحر قزوين تكمن في قطاع كازاخستان.

جاء الاتفاق؛ لينهي صراعًا استمر لعقدين، لكن إيران حريصة على موطئ قدم في سوريا التي تهيمن على القرار في سوريا روسيا، اتفاق بلدان حوض قزوين حاجة إقليمية لمواجهة واشنطن، بسبب أن موسكو أمام الحرب الاقتصادية الأميركية بعد حروب الجواسيس والطرد للدبلوماسيين، والتي نتج عنها رزمة تدابير وتحالفات، ويبدو أن الكرملين غير متسرع في تأجيج المواجهة بإجراءات مقابلة مع أميركا.

قبلت إيران الخسارة في بحر قزوين مقابل دعوة إيران إلى تأسيس منظمة للتعاون الجمركي والاستثمار المشترك، وتعزيز البنى الاقتصادية بينها؛ لتفعيل التجارة بين الشمال والجنوب من أجل التغلب على العقوبات الاقتصادية الأمريكية لخنق الاقتصاد الإيراني، كما أن هذا الاتفاق منع تعزيز الوجود العسكري والأمني والاقتصادي لواشنطن في هذه المنطقة.
تسعى موسكو بالتوازي إلى تشكيل محور روسي تركي ألماني لتعزيز قدراتها في مواجهة واشنطن بالإفادة من تنامي مشاعر الاستياء لدى عدد من الشركاء الأساسيين مثل تركيا التي تعرضت لعقوبات أميركية مماثلة وألمانيا التي باتت تخشى أن تؤثر العقوبات الأميركية على روسيا وعلى إيران على استقرار إمدادات النفط والغاز إلى أوروبا، وسيشكل بالنسبة للولايات المتحدة محور شر جديد، وهو نفس التوجه الذي ركز عليه أخيرًا وزير الخارجية التركي السابق يشار ياكيش بإشاراته إلى تعاون روسيا وتركيا وألمانيا البلدان التي تعاني من السياسة الأميركية أكثر من البلدان الأخرى في العالم بالغ الأهمية حاليًا، وأن قضايا الطاقة تقرب موسكو وأنقرة وبرلين، برغم أن الصعوبات التي تواجهها كل دولة في التعامل مع الولايات المتحدة ذات طبيعة مختلفة.

في زيارة خاطفة قام بها بوتين في عام 2015 والالتقاء بخامني، وعرض عليه الاتفاق حول بحر قزوين عندها عين خامني مستشاره الخاص لملفات السياسة الخارجية علي أكبر ولايتي وقائد فيلق القدس قاسم سليماني في إرسال واستقبال الرسائل المهمة من بوتين متجاوزا في ذلك الرئيس روحاني ووزير خارجيته خامني نحو كلي.

فتوقيع الاتفاقية بموافقة خامني وليس روحاني، وتحقيق هدف بوتين من تحويل بحر قزوين إلى بحيرة روسية خالصة السيادة، بعدما كان بحر قزوين مقسمًا بين الاتحاد السوفيتي وإيران، وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي ظهرت أربع دول متجاورة مطلة على بحر قزوين، وبسبب الخلافات مع إيران أدى إلى وأد مشروع خط أنابيب مقترح إنشاؤه تحت البحر بطول 300 كيلو متر من تركمانستان إلى أوروبا عبر أذربيجان، كما أن روسيا صاحبة الفيتو تنظر إلى البحر باعتباره ساحة قتال جغرافية سياسية تطالب بتعاون أوثق وضمانات أمنية تؤكد هيمنتها العسكرية على البحر.

قمة طهران كشفت هشاشة مسار آستانة وفشلت في التوصل إلى تفاهمات تدفع عملية إدلب كما كانت تأمل موسكو، لسببين الأول أن أمريكا وذراعها إسرائيل لديهم قدرة على ممارسة ضغوط في سوريا وخارج سوريا، وإذا ما قبلت أمريكا عملًا عسكريًا لروسيا في سوريا، لكنها لن تقبل حلًا سياسيًا روسيًا ويجب أن يكون دوليًا، وثانيًا روسيا ترى في تركيا حقيقة استراتيجية ولن تتمكن من تجاوز تركيا وتعتبرها أهم منالف وارد إدلب، أي أن لدى روسيا خطين أحمرين في سوريا أمريكا وتركيا.

أخطأ النظام استراتيجيًا حينما عقد اتفاقًا مع وزير الدفاع الإيراني، فستتحول القواعد الإيرانية أهدافًا إسرائيلية، ما جعل أمريكا تتحدث عن حكومة بدون قيادة الأسد، فالخلافات بين أقطاب محور آستانة تتسع وتزداد تعقيدًا كلما اقتربت الأوضاع في سوريا منعطفًا حاسمًا، وهي باعتراف وزير الخارجية الروسي لافروف إلى أن الأهداف النهائية للأطراف الثلاثة ليست متطابقة في سوريا.

وتم تسريب معطيات عما وصف بأنه تفاهمات تم التوصل إليها على المستويين العسكري والدبلوماسي لإقرارها على طاولة الرؤساء، يقوم جوهريًا على إطلاق عملية محدودة تسفر عن إقامة ما يشبه حزام أمن، يمتد من جسر الشغور شمالًا إلى بلدة اللطامنة جنوب محافظة إدلب من دون دخول النظام إلى المدينة، على أن يتم تكليف أنقرة بمواصلة العمل لفصل النصرة عن بقية الفصائل.

وتخشى أنقرة من أن يفتح هذه التفاهمات شهية النظام وبقية المليشيات التابعة لإيران لتوسيع نطاق المعركة، لذلك اتجهت أنقرة من إرسال المزيد من قواتها إلى المنطقة، لأنها تدرك أن موسكو ليس لديها القدرة على منحها ضمانات من منع النظام والمليشيات الإيرانية من التقدم، وحتى موسكو قررت التمهل قليلًا حتى تنضج ظروف العملية العسكرية خصوصًا وأن البيان الختامي لطهران لم يصدر فيه إعلان هدنة.
وواشنطن تحذر موسكو وطهران من عواقب وخيمة للهجوم على إدلب، وتصاعدت الأصوات في مجلس الأمن محذرة من حصول كارثة إنسانية في إدلب على لسان نيكي هيلي بجانب تنبيه مندوبين آخرون، وخلال الجلسة أكد المبعوث للأمم المتحدة ستيفان دي مستورا موقف الأمين العام أنطونيو غوتيريش من أي استخدام للأسلحة الكيماوية أمر غير مقبول مطلقًا، وأكد نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله أن الهجوم العسكري على محافظة إدلب سيكون كارثة داعيًا كل الأطراف إلى الالتزام باتفاق مناطق خفض التصعيد، وكذلك اعتبر المندوب الفرنسي أن الهجوم على إدلب يهدد الجميع، وكذلك المندوبة البريطانية الذي اعتبرت أن الهجوم قد يرقى إلى مستوى جرائم حرب، وقالت يجب أن نكون واضحين في ذلك، وقال المندوب الهولندي مكافحة الإرهاب ليست مبررًا للهجوم من دون تمييز أو بصورة غير متناسبة.

لكن المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا اعتبر أن حملة الدعاية حيال إدلب صممت سيناريوهات كانت استخدمت أثناء تحرير حلب والغوطة، لكن حذرته المندوبة الأميركية من أن هجومًا على إدلب سيضعف سوريا ويحطمها أكثر ولن ينسى أجيال من السوريين أبد الوحشية الجبانة والحمقاء لنظام الأسد وحلفائه وأن إيران وروسيا ستواجهان عواقب وخيمة إذا استمرتا في التصعيد في سوريا وأي هجوم على إدلب ستعتبره واشنطن تصعيدًا خطيرًا، وأن الولايات المتحدة لن تشارك في إعمار سوريا من دون التوصل إلى حل سياسي وفقًا للقرارات الدولية وخصوصًا القرار 2254.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن واشنطن قامت في 8 أغسطس بإلقاء قنابل بسفورية على دير الزور وهي رسالة موجهة لروسيا وإيران بأن واشنطن جادة فيما هددت به روسيا في مجلس الأمن.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button