سجلت قيمة الصفقات العقارية الأسبوعية انخفاضًا في قيمتها بـ”30″ في المائة، حيث لم تتجاوز الـ500 مليون دولار على حساب هبوط التجاري الذي لامس الـ100 مليون دولار (جريدة الشرق الأوسط، 12/9/2018).
هناك البعض يعتبر أن ما يحدث انهيارًا أو ركودًا مزمنًا، لكن ما يجري هو تصحيح لمسار السوق المنحرف بعد دخول السوق العقاري تطبيق حزمة من القرارات التاريخية التي فرضتها الدولة في وقت لاحق لضبط القطاع العقاري، وتوجيهه نحو الوجهة السكنية والتطوير العقاري بدلًا من استمراره سوقًا مضاربيًا لتدوير السيولة واعتباره مخزنًا للقيمة، في ظل ممارسات احتكارية بشعة نهى عنها الإسلام ولا تتعلق بآليات الاقتصاد العرض والطلب.
السوق العقاري لم يستعب تلك المتغيرات مثله مثل الكثير من الشركات في القطاع الخاص التي لم تستعب بعد، وبشكل حاسم أهمية التكنولوجيا في زيادة أرباحها بدلًا من الاعتماد على اليد العاملة الوافدة الرخيصة، ولا زالت هي أيضًا متضجرة من فرض الدولة الرسوم على الوافدين لرفع تكلفتهم، عندها يضطر القطاع الخاص استبدال تلك العمالة المكلفة للقطاع الخاص وغير المنتجة بالتوظيف من المواطنين السعوديين.
السعودية ليست الدولة الوحيدة التي تصر على توظيف مواطنيها، بل كل دول العالم تشترط أن تكون هناك نسبة من مواطنيها في الأنشطة الأجنبية التي تدخل بلدها، ومن باب أولى أن تشترط الدولة توظيف مواطنيها في القطاع الخاص، ولها الحق في اشتراط نسبة العمالة الوافدة؛ بحيث يجب ألا تزيد على 20 في المائة، بينما هناك قطاعات تهيمن عليها العمالة الوافدة بنسبة أكثر من 80 في المائة، وكانت حزمة القرارات التي اتخذتها الدولة قد ساهمت في خفض الإيجارات التي حققت عوائد وأرباح للقطاع الخاص، والتي ستساهم بجانب فرض الرسوم على العمالة الوافدة؛ خصوصًا الخدمية وغير المؤهلة في توطين اليد العالمة الوطنية.
إذًا القطاع العقاري لا يعاني انهيارًا، بل يعاني خللًا وتشويهًا في بنيته، لكن بعد اتخاذ الدولة حزمة القرارات، والتي شكك في تطبيقها كثير من العقاريين، لكنها كانت تهدف إلى تصحيح مسار السوق العقاري، وتحويل وجهته نحو المسار التنموي.
لم يفق القطاع العقاري من صدمة تطبيق حزمة القرارات التي اتخذتها الدولة، ولم يتمكن حتى الآن من امتصاص تلك الصدمة، وحينما نتحدث عن العرض والطلب الذي لم يكن يرتبط بتنمية القطاع العقاري، بل كان يرتبط بالمضاربات فقط من خلال تدوير تلك السيولة والاكتفاء بهامش الربح المتولد عن تلك الصفقات، ولم يكن ينتج عن تلك الصفقات مشاريع سكنية وتجارية تتناسب مع حجم السعودية.
فيما يرتبط العرض والطلب اليوم على تنفيذ مشاريع سكنية وتجارية، لذلك المقارنة بين العرض والطلب بين الحاضر والماضي مضلل، حتي وإن انخفضت الأسعار بنسب تصل إلى 40 في المائة، بل وانخفضت الأسعار في بعض المزادات العلنية نحو 50 في المائة، لكن يعتبر بعض العقاريين أن الصفقات لم تنخفض بنفس انخفاض نسب الأسعار، بل انخفضت فقط 10 في المائة سنويًا، وهو ما يعني أن الحركة العقارية لا زالت نشطة.
يجب أن يتفهم القطاع العقاري أن هناك متغيرات وليست هي فقط فجوة بين العرض والطلب، بل هي تقلبات في الطلب نتيجة انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وتعقيدات التمويل العقاري، ودخول الدولة مع المطورين في خط إطلاق مشروعات غير ربحية مثل برنامج “سكني” الذي يهدف للسيطرة على الأسعار وحقق مبتغاه في توجيه السوق العقاري نحو الوجهة التنموية بدلًا من الوجهة المضاربية التي كانت مرتبطة بمرحلة الصفقات بالتوازي مع الارتفاعات المتكررة لأسعار العقار، لكن ما يميز السنتان الأخيرتان هو الانخفاض في الأسعار في مختلف القطاعات العقارية وإن كانت بنسب غير متكافئة، ويعتبرها العقاريون أسعارًا غير عادلة، لكنهم يدركون أيضًا أن الأسعار يحددها السوق.
المرحلة الحالية والمقبلة هي عدم استطاعة المستثمرين خصوصًا ممن كانوا يتخذون من الأراضي مخزنًا للقيمة مقاومة لبقاء الأسعار مرتفعة رغم تقلص الطلب بكميات متتالية، لكن هناك ارتفاعًا كبيرًا في نسبة الأراضي مقارنة بالإفراغ العقارية الأخرى، وهي استجابة للحزمة من القرارات التي فرضتها الدولة أهمها فرض رسوم على الأراضي البيضاء، أي أن هناك تسييل كبير للأراضي البيضاء التي استمرت فترة طويلة متوقفة عن البيع باعتبارها مخزن قيمة وارتفاع أسعارها أضعاف مضاعفة مع مرور الزمن، وهي علامة فارقة حققتها الدولة لصالح التنمية العقارية؛ لأنها تؤمن بأن القطاع الخاص إذا ترك لآلياته الخاصة ربما لا يجد طريق العودة إلى التشغيل الكامل لتلك الأراضي، لذلك القطاع العقاري في السعودية لا يعاني انهيارًا ولا ركودًا مزمنًا، بل هي مرحلة تصحيح تقودها الدولة عبر فرض حزمة من القرارات.
ساهمت حزمة القرارات في عرض كبير جدًا من الأراضي مقابل طلب منخفض؛ مما يقود تلقائيًا إلى انخفاض هذه الأراضي؛ حتى تصل لمرحلة تصحيحية ترتبط بدخول استثمارات جديدة؛ خصوصًا وأن الدولة ستتجه نحو توسيع عدد الحجاج والعمرة في مكة، وبناء مدن سياحية ضخمة، والاهتمام بالمناطق السياحية الشهيرة في المملكة بعد توجه الدولة نحو تنشيط السياحة الداخلية بعدما اتخذت قرارها بتوسيع رقعة الترفيه التي ترتبط بالتوطين السياحي وتوسيع النشاط الاقتصادي.