منذ قيام المملكة العربية السعودية عام 1932 على يد الموحد الملك عبدالعزيز آل سعود، حرص حكام بلاد الحرمين على العمل الدؤوب لتقوية أواصر العلاقات مع الدول الإسلامية والعربية، وبين هذه الدول وبعضها. وأنشأت رابطة العالم الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، التي تحولت إلى منظمة التعاون الإسلامي وبنك التنمية الإسلامي، في منطقة مكة المكرمة، ومنظمات متفرعة في الدول الأعضاء بهدف وضع آلية لحل الخلافات البينية وإصلاح ذات البين. وأسفرت زيارات الملك فيصل -رحمه الله- للدول الآسيوية والأفريقية في الستينيات والسبعينيات الميلادية على توثيق عرى الأخوة الإسلامية، وقطعت بعضها علاقاتها مع إسرائيل، وانضمت إلى المنظمات الإسلامية.
كما عملت القيادة السعودية خلال العقود الماضية من خلال دبلوماسيتها الهادئة وبمكانتها العالية على التقريب بين الدول والجماعات المتخالفة، كما فعلت بين الفرقاء الافغان والفلسطينيين واليمنيين وبين المغرب والجزائر على سبيل المثال لا الحصر.
وفي هذا الإطار تأتي جهود المملكة والإمارات لحل الخلاف الممتد منذ التسعينيات الميلادية بعد حرب استقلال إريتريا عن إثيوبيا عام ١٩٩١-١٩٩٢، ثم حرب ترسيم الحدود ٢٠٠٠-٢٠٠٢ التي كلفت البلدين ٨٠ ألف قتيلًا ومئات ألوف الجرحى، والمشردين، ومليارات الدولارات من الخسائر المادية.
كما تسببت هذه الخلافات في تعطيل التنمية في البلدين، وانعكست سلبًا على الدول المجاورة كالسودان والصومال وجيبوتي. ومن ناحية أخرى، سمحت هذه الصراعات بقيام فراغ أمني كبير استغلته منظمات إرهابية كالقاعدة، وداعش، وحزب الله، والحوثي بدعم من دول راعية للإرهاب كإيران وقطر. ونظرًا لقرب هذه الدول من الجزيرة العربية ازدهرت تجارة البشر، وتهريب السلاح والإرهابيين عبر باب المندب، وجزر البحر الأحمر إلى اليمن، ومنها إلى دول الخليج. وهزائم الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا ومصر أدت إلى المزيد من التدفق على دول القرن الأفريقي.
وهنا تأتي أهمية الاتفاق التاريخي الذي سعت إلى تحقيقه الدبلوماسية السعودية والإماراتية بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بين زعماء الدولتين الشقيقتين، رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد علي، ورئيس إريتريا أسياس أفورقي، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان وحضور أمين عام الأمم المتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.
فهذا الاتفاق سيفتح أبوابًا واسعة للتعاون بين البلدين والدول المجاورة ودول الخليج لمحاربة الاٍرهاب، وتأمين المنطقة على ضفتي البحر الأحمر وممراته المائية الدولية، إضافة إلى تشجيع الاستثمارات الخليجية والدولية في هذه البلدان. كما من شأنه تشجيع التجارة بين الدولتين والدول المطلة على البحر الأحمر، من خلال استخدام أثيوبيا بمينائي مصوع وعصب، المتوقع إعادة تأهيلهما وتحديثهما.
ومن المتوقع أن يشجع هذا التوافق دولًا أخرى على حل مشكلاتها الداخلية وخلافاتها البينية كالصومال وجيبوتي. وباكتمال عقد التعاون بين هذه البلدان وبين دول الجزيرة العربية يترسخ الأمن، ويعم الرخاء وتنشط التنمية في المنطقة لمصلحة شعوبها والأمن والسلم العالمي.
أم القارات، أفريقيا، غنية بثرواتها المعدنية والزراعية والسمكية والبشرية، التي أهملت في الماضي، وأشغلت الحروب والصراعات بلدانها عن تنميتها. واليوم، تتنافس الدول الكبرى على الاستثمار فيها، والمشاركة في مشاريعها التنموية. على أن أكثر هذه البلدان مسلمة، وترتبط ثقافيًا وجغرافيًا وتاريخيًا بالبلدان العربية أكثر من غيرها. ومن هنا يأتي اهتمام المملكة بتوثيق العلاقات معها، والعمل على حل مشاكلها، وتوفير البيئة الآمنة للتعاون والاستثمار والتنمية. ومكانة بلاد الحرمين الدينية وموقعها على الخارطة السياسية والاقتصادية الدولية يعطيانها أفضلية لدى هذه البلدان للعمل والإستثمار والتعاون. والعديد من هذه الدول تشارك تحت قيادة المملكة في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، والتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.
الأيام تحمل لنا بشائر المزيد من التعاون، فالمملكة تستضيف قريبًا قمة إفريقية عربية، والعمل جار على حل الخلافات الداخلية والخارجية لبلدان أفريقية كالصومال وجيبوتي. والأمل أن يتسع هذا التعاون ليشمل دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية. والقادم في العهد السلماني أكبر وأجمل بإذن الله.