يعتز الكثير من الناس في كل مكان في هذا العالم بأوطانهم . ويرون أن وطنهم من أجمل الأوطان. ويعتقدون أن وطنهم من أجدر الأوطان بالبقاء والحياة. وهم يستمتعون في العيش بين جنباته. ويفخرون في الانتماء إلى ألوانه. ويعبرون بما تملي عليهم ضمائرهم دائما في البوح عن مشاعرهم الصادقة، وأحاسيسهم المرهفة تجاه وطنهم. فالمعلم ينقش لطلابه في العقول أول وآخر معاني الوفاء في حب الوطن والشاعر يقدم أجمل أبيات الشعر لوصف وطنه، والكاتب يسطر أرقى الكلمات ليسمو بوطنه في الآفاق. وهذا وذاك كلٌ يطرز جمل وعبارات الصدق والتضحية عبر أروع تقاسيم الحب لمواطنيبن نحو وطنهم. فمن لايحب وطنه لايستحق أن يتواجد فوق ترابه، ومن لايحب وطنه لايستحق أن يسير بين طرقاته .
وهنا في هذا الثرى الخالد.. في هذه الأرض الطاهرة، وفي هذه الأماكن العامرة سأخبر الكون بحبي وبتميز وطني. ولكن ماذا عساي أن أقول تحديدا عن وطني؟ وماذا عساي أن أصفه بكل تفاصيله الواسعة ؟ وبمجمل عناويه الكبيرة ؟ وبماذا أتحدث عن وطن فريد مجيد لايشبه كل الأوطان من حيث مكانه وزمانه وأمنه وأمانه وإيمانه. ولاتشبهه الأوطان الأخرى في أي شيء. وطن تعشق كل أوصافه، وطن تقدس كل ذرات ترابه، وطن منبر الهدى والتقى، وطن علا شأنه منذ أعوام بعيدة مضت في ذكر دائم يبقى مابقي على وجه الأرض أنفاس، وطن اعتلت رايته منذ أن تأسس كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، وطن الحرمين الشريفين . الآن كأني بحت ببعض من مشاعري وليس كلها.فكلها لايحتويها مقال.
إن حب الوطن المتوارث منذ العقود القديمة ينبع من مشاعر قلوب محبيه الصافية. فنهر العطاء الصادق يستمد حبه من أحاسيس زاهية الجمال تنبض حبا وودا. فحب الوطن الحقيقي لايأتي بلحظات عابرة، ولابأوقات مستقطعة. ولابصور مزركشة، ولا بمشاهد مؤقتة. إنما بعمل دائم، وبفعل مستمر، وبناء عال في جميع مرافق الحياة.. في مدرسة في قلب المدينة أو في قمة جبل، أو في جامعة في أدنى الوطن أو في أقصاه، أوفى مشفى دولة أو لدى مواطن محب، أو في قلاع الأمن وحصون الرجال الأبطال في الداخل أوعلى حد الوطن، بل في كل طريق وشارع وسهل وبحر وصحراء وجبل. يكلل كل ذلك دعاء في ليل ونهار وفي الجهر والعلن والسر والخفاء أن يحفظ المولى عز وجل هذا الوطن المبارك وولاة أمره وأهله من كل سوء ومكروه. وكل عام وأنت بخير ياوطني.