قال تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ….الآية ( س البقرة 54)
الحسد البغيض كما هو معروف في أبسط صوره يعرف بأن صفة ذميمة حيث يتمنى الحاسد زوال نعمة الغير وقد وصف العالم فضيلة الدكتور محمد النابلسي الحاسد بأنه منافق وأن المنافق حاسد وضع نفسه في خندق المنافقين علامة النفاق الحسد وعلامة الإيمان الغبطة وأضاف صدق أيها الأخ : أن أخاً لك أصابه خير إن لم تفرح له وكأن الخير أصابك فأنت لست بمؤمن وإن لم تتألم لما أصاب أخاك من شرفلست بمؤمن انتهى قوله . وهناك من يساوي بين الحسد والعين وجميعها تعطي نفس النتيجة .
والحسد يعتبر من الأخلاق الذميمة فهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وصنفه الرسول الكريم من ضمن ثلاث خصال حذر منها مستدلا على ذلك بأن الحسد دعا ابن آدم إلى قتل أخيه وقال ابن مسعود : لا تعادوا نعم الله قيل ومن يعاديها قال : الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله .
إليكم مايقوله ابن القيم في كتابه بدائع الفوئد الجزء الأول : والشيطان يقارن الساحر والحاسد ويحادثهما ويصاحبهما ولكن (الحاسد) تعينه الشياطين بلا استدعاء منه للشياطين لأن الحاسد شبيه بإبليس الذي حسد ابونا آدم علية السلام ورفض السجود له وهو في الحقيقة من أتباعه . لأنه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس وزوال نعمة الله عنهم وإلحاق الاذى والضرر بهم .
وقال آخر لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله وقيل أن الشافعي قال في هذا شعرا إذ قال :
الا قل لمن بات لي حاسدا أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه لأنك لم ترض لي ما وهب
فجزاك ربي بأن زادني وسد عليك وجوه الطلب
وقال :
أصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله >>فالنار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكل
وقال آخر كل الناس يمكنني أراضيهم إلا الحاسد فإنه لا يرضيه إلا زوال النعمة عني وقيل أن العرب إذا أرادت أن تدعو لشخص أو تمدحه : أكثر الله حسادك ويعتبر الحسد أول خطيئة في السماء وأول معصية ظهرت في الأرض والحاسد له علامات تتبين عند مقابلتك له بتغير لون وجهه وتخوص عينيه وقد يخفي السلام ويقبل على غيرك ويعرض عنك ويستثقل حديثك ويخالف رأيك حتى لو كان صائبا وإن تحدث عنك الآخرون بخير في غيابك تجده أكثر الحاضرين تذمرا وقد يهجوك بما ليس فيك وينتقص من قدرك ويحاول تغيير الحديث لأن في قلبه نار تلظى .
ومن نصائح الحكماء قولهم إذا أحسست من شخص قريب أو صديق أنه يحسدك فحاول أن تقلل من مخالطته ولا تشاوره في أمر من الأمور فقد يكون فصيح اللسان لتصدق ما يقول ولكنه يخفي حبائل نفاقه ولا تأمنه على أسرارك تسلم شره وضره
فالحسود لا يستطيع كتم حسده فهو أغلب على صاحبه من السيد على عبده ومن الآسر على أسيره ومع هذا فعليك أن تصبر على الحاسد وأن تكون حليما صابرا ولنا في السلف الصالح أسوة : شتم رجل أبا ذر رضي الله عنه فقال : يا هذا لا تغرق قي شتمنا فإنا لا نكافئ من عصا الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه .
وقيل لعمرو بن عبيد : لقد وقع فيك اليوم أبو أيوب السختياني حتى رحمناك فقال : إياه فارحموا وقد سب رجل الأحنف بن قيس فلم يرد عليه فقال الرجل : والله ما منعه من الرد علي إلا هواني عليه وفي هذا يقول الشاعر :
وللكف عن شتم اللئيم تكرما أضر له من شتمه حين يشتم
طبعا كل هذا قد يأتي من باب الحسد لك فقابله بما يستحق من التهميش وعدم النقاش لأن ذلك أقوى بكثير لو أنك أعطيت الحاسد فرصة للجدال معك .
الحسد داء ينهك الجسد ويفسد الود ويقطع العلاقة وصاحبه ضجر وعلاجه عسر وما ظهر منه لا يداوى منه تتولد العداوة ومفرق كل جماعة ولذا قال الرسول الكريم : دب إليكم داء الأمم من قبلكم : الحسد والبغضاء .
انعطافة قلم :
من أسوأ ما مر بي من الحاسد أن يتوسط بك في أمر ما وقد يطالبك بخدمة أو يحتاجك في أمر من أمور الحياة ومع هذا تجده يحسدك كيف أنك ستقضي حاجته وتلبي طلبه لعدم استطاعته وهذا قمة غباء الحاسد وكثير ما هم .