مازلنا – وبدون أن نشعر – نمارس مع أبنائنا نفس الاسلوب الذي كان يمارسه آباؤنا معنا ونحن صغار ، إذ كانوا يتهموننا بأننا جيل الكسل والبلادة ، الجيل الذي لم يتعب ولم يواحه قسوة الحياة وضراوة الزمن ، الجيل الذي – من وجهة نظرهم – نشأ مشدوها بالتلفاز وبرامج الاطفال ، ولم يكدح من أجل لقمة العيش ، ووجد كل شيئ متاحا ميسرا ، الجيل الذي لم ينل فرصة التعلم القويم على أيدي كبار المشايخ ولم يهتم بالاطلاع على أمهات الكتب والمعاجم ، فكان التلفاز هو من يغذي فكره ويوجه سلوكه ، فكنّا على حد وصفهم جيل آخر زمن .
ورغم امتعاضنا من تلك النظرة في ذلك الوقت ، إلا أننا نمارس اليوم الاسلوب ذاته مع أبنائنا ، وننظر لهم على أنهم جيل آخر زمن ، جيل الانترنت والأجهزة الذكية ووسائل التواصل التي تسيطر على عقولهم ، فأصبحنا نترحم على أيامنا الخالية ونفوسنا الصافية ولهونا البرئ والعابنا البسيطة ، متناسين بأننا نُعتنا من قبل بنفس الصفاة ، ووصمنا بنفس الاتهامات ، فهل هو انتقام لا شعوري والنظرة التي تسيطر على عقول أغلبنا بأن الشباب دائما على خطأ ، أم أنها لعنة الحياة التي تصيب الأمم الخائبة ﴿ كلما دخلت أمة لعنت أختها …﴾ .
فمتى ندرك بأن هناك فروقات كثيرة بين الأجيال ، وأن هناك متطلبات مختلفة لكل جيل لا تقلل من شأنه ، وإنما تجعل لكل جيل ثقافته الحياتية المختلفة والتي يجب أن يتقبلها ويتعايش معها ، ولكي تتحقق القدرة على التعامل مع الحياة ومعطياتها الجديدة، والتكيف مع مختلف الظروف .
ومتى ندرك بأن الأمور تتغير بشكل مذهل وسريع ، تتطلب منا المواكبة والتعرف على الحياة الجديدة التي ينغمس فيها الشباب بشكل لا يتمكنون من الابتعاد عنها أو التنازل عن مكتسباتها ، بل ويجب أن نساعدهم على التعايش معها وتطويعها لمصلحتهم ، ولأنه كلما تباعدت العقلية بين الجيلين فسيصبح من الصعب الوصول إلى نقطة تلاق بينهما ، خاصة إذا تمسك كل طرف بآرائه ومبادئه.
إن هذا الجيل الذي ينمو أمام أعيننا – رغم كل ما يحيط به من مخاطر – فإنه جيل خير وعلم وتطور وفكر ، وليس ذنبه أنه جيل مختلف ، فهذه سنة الله في الكون ، وتقع على عاتقنا مسؤلية كبيرة في التوجيه الصحيح ، بل والواجب يحتم علينا أن نساعدهم على التعايش مع متغيرات الزمن ، لا أن نثنيهم ونزجرهم ، فيمكننا أن نقدم لهم الكثير إذا ما أدركنا بأن الاختلاف بين الجيلين اختلاف تنوع وإفادة وضرورة ، فلو استطعنا إثنائهم عن مجاراة الواقع وإجبارهم على الجمود والتنحي ، لتطورت الحياة وتركتهم خلفها متخلفين .
فلن نستطيع بأي حال أن نجعلهم يعيشون بعقلية قديمة في زمن متطور ، بل يجب أن نساعدهم ونمد إليهم يدا سخية تكبُرهم عمرا ونضوجا ، وتمنحهم الخبرة والتوجيه والنصح ، وتمكنهم من تطويع ما يتوفر لهم من تقنيات لم تكن متوفرة لنا من قبل ، فالأبواب المشرعة فرص متاحة لدى هذا الجيل لا يمكن أن نتجاهلها أو أن ندس رؤوسنا كما يفعل النعام ، بل يجب أن نكون نحن من يحثهم على استغلال الفرص ، ولنكف عن الخوف من الأبواب المفتوحة حتى وإن لاحت منها بوادر التغيير ، ولنأمل خيرا من الجيل الجديد!