بحثت عن معنى مسرودة عبر قوقل فوجدت من معانيها الشعبية بالمعنى الثقافي الشعبي: أكلة شرقية من الزمن الجميل، و لأن المفاهيم و المصطلحات تنتقل عادة من مستواها المعجمي و الاجتماعي، إلى مستواها العلمي أو الأدبي، فقد بدا لي اقتراح، فيما يخص قصيدة النثر باعتبارها ذات مذاق خاص مكوّنة من أخلاط شعرية و سردية، هو أن نستعير هذا اللفظ ليكون مصطلحا دالّا عليها. يعزز ذلك ما جاء في معجم الصحاح من “أن المسرودة هي: درع مسرودة و مسرَّدة بالتشديد، فقيل: سردُها نسجُها و هو (تداخل الحَلَق بعضها في بعض)”. و ما بين القوسين يصدق على قصيدة النثر في تداخل الشعري و النثري السردي في نسجها ما يجعلها في تشكيلها أشبه بالدرع الرصينة المحفورة بالنقش.
و لأنّ قصيدة النثر كجنس إبداعي كثيف حالة شعرية/سردية التقى طرفاها في نهاية المسار، أو ما يمكن وصفه مجازا ببياض رأس الجبل في خلاصته التصويرية، فأعتقد أنّها تفتقر إلى مصطلح يخرجها من هذا الالتباس ، أو على الأقل يجعل لها استقلالا عن المراوحة الحائرة بين الشعر و النثر.
لست ضد قصيدة النثر كوجود إبداعي، و مع ذلك لا أجد ضابطا علميا لها يجعلها ضمن إطار الشعر كجنس أدبي، لذلك أقترح هذا المصطلح لنوازي به مصطلح القصيدة، لتصبح الأجناس الإبداعية على هذا النحو: مقالة، مقامة، قصة، رواية، حكاية، قصيدة، مسرودة .
و هذا المصطلح الأخير، فيما يخص قصيدة النثر، يجعلها في مقابل دلالي فني مع القصيدة لتكون نظيرة للشعر و موحية به، كما يجعلها جنسا خاصا خارج الشعر لكنها تنطوي على كثافته، و خارج السرد لكنها تنطوي على حركته السردية التتابعية، و بذلك يمكننا التمييز بين السرديات و المسرودات، بحيث ينضوي تحت السرديات القصة بنوعيها، و الرواية، و الحكاية الشعبية، و تكون المسرودات قصائد نثر جمعت بين الشعر و النثر في خلاصة شعرية مسرودة، و أحسب أن مصطلح”مسرودة” يفي بالغرض و يوحي بالدلالة الفنية و يفكّ الاشتباك الاصطلاحي غير المنضبط و الالتباس الدلالي بين الحقلين، إضافة إلى أنّ المصطلح بهذه الصيغة يعكس طبيعة قصيدة النثر في كثافتها و سرديّتها التي يحاط بها في دائرة البصر الكتابية كشكل مقابل لشكل القصيدة في بنيتها المستقلّة إيقاعًا و كتابة.
أخيرا مما يجدر توضيحه استدراكًا أني لا أتناول في هذا المقترح شرعية الوجود، فقد وجدت و صارت جنسا إبداعيا، و إنما القصد هنا مراجعة المصطلح الذي لا يزال حائرا عند التلقّي بسبب عدم وجود معيار يمكن ضبطها به دون التباس بين الشعر و النثر السردي، و في نظري أن المصطلح المقترح قد ينجدنا في إزالة اللبس و التفريق بين القصائد أو النصوص الشعرية و “المسرودات” الشعرية التي يظهر من خلالها انفراط حبّات عقد الشعر المنظوم في تتابع مسرود هو في صيغته المطروحة اليوم ما يتم ممارسته في الغالب تحت مصطلح قصيدة النثر.
بذلك يمكن وصف أي جنس كتابي ظاهر الكثافة الشعرية في إطار سردي بأنّه مسرودة شعرية.
و لسائل هنا أن يسأل: ما الفرق بين وصفها بالقصيدة و وصفها بالمسرودة في سياق كهذا مادام أنّها ذات نزعة شعرية؟ أليس الأولى الاتفاق على ما تم تداوله من قبلُ في الفضاء النقدي من اقتراح بديل ملتبس لا يبعد عن التباس المصطلح السابق؟
الجواب في نظري على هذا التساؤل هو أن المصطلح الجديد ليس معنيّا إلا بمحاولة إزالة اللبس القائم بين الشعر و النثر في طرفي المصطلح القديم، فالمستوى السردي في قصيدة النثر يمكن القبض عليه بمحددات معيارية نابعة من السرد و فرط المنظوم، أما الشعرية فمفهوم فضفاض لا يمكن السيطرة عليه و هو ممكن و متاح في كل أجناس الأدب، بل الأجناس الفنية بشكل عام، و عليه فإذا تحقق في النص الأدبي السرد و التكثيف و الومضة، و هي محددات قصيدة النثر كما يصفها منظّروها أمكن أن نطلق عليها مسرودة، و هي تختلف عن القصة القصيرة جدا (ق ق ج ) بعدم شرط الشخصية و الحدث الذي يدور حوله فنّ القص، فمثلا حين نقرأ ومضة درويش :” الشارع محمول على أصوات الباعة” نستطيع أن نصنّف هذه الشذرة بأنها “مسرودة” و ليست قصة قصيرة جدا، خلافًا لأي نص قصصي قصير يحتوي على عناصر القص الرئيسة.
أختم بأن ما كتب أعلاه محاولة جادة و إن كانت ناقصة لمراجعة مصطلح لا يزال موضع جدل في فضاء تلقّي النصوص الإبداعية و تصنيفها بين الشعر و النثر و السرد على وجه الخصوص.