سبق أن اتهمت روسيا بتسميم الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال وابنته في سالزبوي في المملكة المتحدة، وما تبعه من أزمة يشهدها الغرب مع روسيا منذ عقود، ومع مرور الوقت وعدم ظهور أدلة تثبت تورط روسيا، زادت روسيا ضغوطها على لندن، لكن كانت تلك الأزمة فرصة لروسيا في مناقشة جميع القضايا التي تقلق الجانبين.
خصوصًا وأن روسيا نجحت في انضمام زعيم المعارضة البريطانية كوربين إلى روسيا بشأن حادث تسميم العميل الروسي حتى أن وزير الخارجية البريطاني وصف زعيم حزب العمال بالطفولي والأحمق المفيد لروسيا مستغلًا رفض جريمي كوربلين توجيه اتهامًا صريحًا لروسيا بشأن الواقعة قائلًا هناك حاجة ملحة لمزيد من الأدلة، وقررت بريطانيا حينها من عدم حضور أي فرد من العائلة المالكة أو من السياسيين لبطولة كأس العالم في روسيا، وفي نفس الوقت قررت بريطانيا إلغاء دعوة وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف لبريطانيا فضلًا عن تصعيد الحرب الدبلوماسية بينهم أعلى عدة جبهات.
الإعلام القطري الإخواني لا يهتم بقضية خاشقجي بقدر استهدافه السعودية، ومن يتذكر كيف حولت قناة الجزيرة بن لادن إلى نجم تلفزيوني وبثت خطبه كاملة، لكن تلك القناة لم تتصدَ لها الدول الكبرى في ذلك الوقت وعلى رأسها الولايات المتحدة والسعودية في محاسبة تلك القناة التابعة لدولة قطر بسبب انشغالها بقضايا الربيع العربي، وكان يرى بن لادن أن قناة الجزيرة حجر الزاوية في هدم النظام السعودي بشكل خاص قبل أن يلقى حتفه على يد أمريكا في مايو 2011.
وبعد مواجهة السعودية ومصر ومعها دولة الإمارات والبحرين دولة قطر ومحاصرتها بعدما رفضت قطر التخلي عن دعم الإخوان، وكانت وتصر قطر على أن تستمر منصة للإخوان، حتى بعد انقلاب الشعب المصري والجيش بدعم سعودي.
قطر ترى في تركيا دولة حامية لها وللإخوان، لكنها باتت اليوم لديها مخاوف بعد انهيار الاقتصاد التركي من عودة العلاقات التركية السعودية التي ستقوم تركيا على الأقل بقصقصة أجنحة جميع المنصات والأذرع التي تتخذ من تركيا منصة لقطر وللإخوان لبث سمومهم نحو العالم، وخصوصًا نحو الشباب العربي من أجل استعادة الشعبية التي تقلص وانكمشت بعد فشل حكم الإخوان في مصر.
أحزان محطة الجزيرة والقنوات التابعة لها والتي تبث من تركيا على اختفاء جمال خاشقجي ليست خشية عليه، وإنما خشية على انتهاء دورها، ومن يتابع كل هذه التغطية المكثفة والحملة المنظمة التي هي بمثابة قلق وبمثابة القشة التي تحاول أن تبقيها على قيد الحياة.
لكن يبدو أن ما حدث هو العكس خصوصًا ممن كان يتابع قناة الجزيرة في الماضي وكان يثق في حياديتها واستقلاليتها ومهنيتها، يكتشف اليوم بعد بث الأكاذيب القناة وبث أخبار مضللة عن خاشقجي، وأن جثته وجدت في إسطنبول، وبعد اكتشاف المشاهدين كذب القناة، لجأت إلى روايات أخرى مضللة ساعدتها في ذلك بعض المنظمات الإخوانية داخل تركيا بشكل منظم ومدروس استثمرت خبرتها السابقة وقدراتها اللوجيستية الدولية.
استخدمت قناة الجزيرة من قبل الاستخبارات العالمية وخصوصًا الاستخبارات الأمريكية في تحولها إلى كعبة للغلاة والتكفيريين، مثلما كان الغرب ساهم في تجميع الجهاديين في سوريا والعراق بغية التخلص منهم، لكنه اكتشف أن دائرة الإرهاب تتسع، وكذلك سيكتشف أن قناة الجزيرة التي كانت استخباراتية تستخدمها للوصول إلى الغلاة والتكفيريين أنها ساهمت في توسيع دائرة التطرف والإرهاب، ما يعني أنها قناة أصبح مفعولها ودورها قد انتهى، ونهايتها مطلبًا دوليًا لدورها في دعم الإرهاب وتمويله وهي لا تختلف عن إيران فكل منهما له أدواته، لذلك نهاية هذه القناة لم يعد مطلبًا للدول العربية الأربع التي قاطعتها.
يكفي أن قناة الجزيرة هي أول من روّجت للعمليات الانتحارية على لسان مفتيها القرضاوي، وعارض تلك الفتوى علماء السعودية الأجلاء، لكن هذه الفتوى انتشرت كالنار في الهشيم، وتبنى هذه الفتوى الإرهابيين في جميع أنحاء العالم.
من يتتبع قناة الجزيرة يجد أنها بعيدة كل البعد عن المهنية الإعلامية، خصوصًا وأنها تدير حملة منظمة تستثمر الخبر الذي يستحق بالفعل متابعته إعلاميًا، لكنها اعتمدت على مصادر غير موثوقة، واختلقت تقارير مزيفة وغيرت من القصة خلال ساعات من خطف لاختفاء لقتل دون الرجوع إلى المصادر، ما جعل أردوغان يسكت قناة الجزيرة وأذرعها في تركيا ويصرح بأن التحقيق لن يعتمد على فرضيات، والآن وفد سعودي وصل إلى أنقرة ليشارك في تلك التحقيقات.
خصوصًا وأن أردوغان يعاني من انهيار اقتصاد بلاده، وهو في أزمة مع أمريكا، وهو متورط في سوريا، وعالق في إدلب، وهو بحاجة إلى الدور السعودي، وتدرك قطر هذا التقارب، وهو ما يجعلها تجيش كل إمكانياتها وقدراتها وأذرعها لوقف هذا التقارب الذي سيكون نهايتها، ونهايتها حتمية.
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة