المقالات

مع السعودية قلبًا وقالبًا

أنطلق في مقالي هذا الذي أدافع فيه عن السعودية – في غير مصلحة أو نفاق- على شهادة لإنسان فلسطيني عاش على أرضها قرابة نصف القرن، وعاش والدي وخدم في سلكها التعليمي عقدًا كاملًا، ودرست في مطلع صبايا في مدرستها الفاروق المتوسطة في جدة زمن الملك سعود…فهي وطن لي حتى وأنا لا أحمل جنسيتها، وما يربطني بها ليس فقط حرمين شريفين أرنو إلى زيارتهما اقترابًا من الله كلما سنحت لي الفرصة، وتهيأت لي الظروف وإنما أيضًا علاقة أخلاق وضمير: جئت إلى هذا البلد الكريم فردًا، فأصبحت ولله الحمد حمولة…وقد أكرمني الله بأحفاد بعضهم الآن طلابًا في الجامعات، وعشرة منهم سعوديون.. لذا، ولأن من طبائعي الوفاء، ومن شيمتي عدم نكران الجميل، وقول الحق في غير مهابة…فإنني لا أستطيع أن ألزم الصمت، وأنا أرى السعودية بلد الحرمين الشريفين التي ظلت دومًا تقف إلى جانب قضيتنا الفلسطينية وتنتصر لقضايا أمتها موقف المتفرج فيما يشن الحاقدون والحاسدون وذئاب السياسة القذرة حملة ابتزاز وتشهير وتزوير ضد هذا البلد الذي عرف دومًا بأنه بلد سوي يتوخى في علاقاته الدولية احترام الأنظمة والمواثيق والأعراف الدولية، واحترام القانون الدولي والامتثال لقرارات الشرعية الدولية، وأنه يتقدم العالم في مكافحة الإرهاب على كافة الأصعدة، ويسعى إلى تحقيق السلام والأمن في المنطقة وفي العالم، ويقدم عطاءاته ومبادراته الإنسانية بسخاء، لكي نفاجئ بعد ذلك بهذه الحملة الشعواء التي تتهم فيها السعودية في غير دليل، وتدان فيها بغير إثبات، وترسم فيها سيناريوهات العقوبات بشكل مقيت، وهو ما يذكرنا بالحملة القذرة التي شنتها أبواق الدعاية الصهيونية عقب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، عندما تبنت مؤسسات الأبحاث التي يشرف عليها الصهاينة، وفي مقدمتها مؤسسة راند، وصحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز حملة مماثلة، لكنني واثق ومتأكد أن الحملة الراهنة ستنتهي إلى ما انتهت إليه الحملة السابقة: الفشل والخيبة والخذلان.

لست هنا في موضع تقديم كشف حساب لما قدمته المملكة لقضايا أمتها العربية والإسلامية منذ عهد القائد المؤسس الملك عبد العزيز…التاريخ والوثائق لديهما الكثير مما يثبت حقيقة ومظاهر هذا الدعم…وكثيرون لديهم معلومات غير وثيقة عن التاريخ يصرون على عدم التأكد من صحتها، لكنني هنا أكتفي ببعض عطاء السعودية لأمتها، كأمثلة فقط، وبما ينتظر من هذه الأمة قيادة وشعوبًا من رد للجميل. وقد اخترتها بعناية كي أدلل أيضًا على أنها حملت في ثناياها تحدي القوى الكبرى. فقد قطعت المملكة العربية السعودية علاقاتها ببريطانيا العظمى وفرنسا على إثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، يومها قال جلالة الملك سعود – يرحمه الله- : “أنا مع مصر بكل ما أملك”.. يومها أرسلت السعودية أبناءها ليحاربوا إلى جانب مصر الحبيبة في مواجهتها للعدوان، ولعل صور تطوع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ومع العديد من أمراء الأسرة المالكة في الجيش المصري دفاعًا عن أرض الكنانة. قبل ذلك لجأ العديد من قادة المقاومة ضد الاحتلالين البريطاني – الفرنسي للدول العربية إلى السعودية – منهم رشيد عالي الكيالي والشهيد عبد القادر الحسيني وآخرين، وطلبت الدولتين تسليمهم، بل وصل الأمر إلى تعيين القائد المؤسس الملك عبد العزيز – يرحمه الله – سفيرًا له من المطلوبين السياسيين من قبل الاستعمار في إحدى العواصم الأوروبية الكبرى، فكان رده – يرحمه الله – لو اجتمعت أساطيل هذه الدولة أمام شواطئ بلادي لم أسلمهم من التجأ إلي طالبًا حمايتي.

أما العطاء الكبير، الذي نسيه البعض – مع الأسف الشديد، والذي كانت ذكراه قبل بضعة أيام، فهو العطاء الذي قدمه شهيد القدس الملك فيصل بن عبد العزيز – يرحمه الله- لمصر الغالية، وأقصد به نصر أكتوبر العظيم، ويكفي أن أقدم شهاد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات التي قال فيها: “الملك فيصل هو البطل الحقيقي للعبور”…ولست هنا أيضًا بصدد التذكير بعطاء المملكة المتعدد الأوجه والأشكال للقضية والشعب والحق الفلسطيني، يكفي القول بهذا الصدد أن المملكة واصلت هذا الدعم دون انقطاع عقدًا بعد عقد وعامًا بعد عام، ويكفي أنها فتحت مجالات العمل والإقامة لملايين الفلسطينيين منذ خمسينيات القرن الماضي، ولم تسكنهم في منعزلات ومخيمات.

سمعت ورأيت – مع شديد الأسف- الكثيرين من الحاقدين والشواذ السياسيين خلال الأيام القليلة الماضية يكيلون بمكيال الحقد أطنانًا من الكراهية لهذا البلد الذي أكرمهم، فكان ردهم الجحود والنكران، أقول لأحدهم ممن يفاخرون بأنهم أذنابًا لإيران، وقد أكرمه هذا البلد الأمين وأرسله إلى بريطانيا ليترأس مكتب إحدى صحفها، حتى إذا تمكن عض اليد التي أطعمته..أقول له: “المملكة لا تحارب الحوثيين، المملكة تحارب إيران ممثلة بهؤلاء الشرذمة، تحارب إيران بكل ما تملكه من صواريخ باليستية وأسلحة إيرانية، وهذه الحرب ليست استنزافًا- كما يعتقد – للسعودية، وإنما الأصح القول إنها استنزاف لإيران، وإفشال لمخططها الصفوي للسيطرة على المنطقة”.

كلمة أخيرة أوجهها للمضللين الذين لا يرومون للسعودية خيرًا: السعودية قطعت النفط عن الغرب في حرب أكتوبر1973، وهو ما جعلها خصمًا له في تلك الفترة، بما يعني أنها لم تعد في حمايته، بل أصبحت في نظره عدوًا، وظلت السعودية حرة مستقلة شامخة…والسعودية ليست الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان، إن الجرائم التي تتم بسيناريوهات الدعايات والشائعات المغرضة التي تتناقلها الأبواق المأجورة والمرتزقة الإعلاميون وجهلاء التاريخ والسياسة ضد المملكة هي الجرائم التي تنتهكها إسرائيل كل يوم دون عقوبات أو إدانات، أو حتى حملات إعلامية…فقد سبق وأن اختطف عملاء الموساد أيخمان من الأرجنتين ونقلوه إلى إسرائيل، وإسرائيل تعتقل وتقتل الإعلاميين، والصحفيين، والأطفال، والفتيات، والممرضات، والأطباء الفلسطينيين بشكل يومي جهارًا نهارًا تحت صمت العالم، بل وبمباركة واشنطن وتحت لافتة “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”!.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button