ما أجمل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا تتم السعادة إلا بزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة. وقد قال صلى الله عليه وسلم في الروضة الشريقة: ( مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ) ..
حاولت عند وصولي للمدينة المنورة الزيارة، ولكني لم أوفق إما بسبب الزحمة أو بسبب عدم مناسبة أوقات الزيارة. وقد حددت أوقات الزيارة في هذه الفترة من السنة على النحو التالي: الأولى بعد صلاة الفجر مباشرة والثانية بعد صلاة الظهر، والأخيرة بعد صلاة العشاء، وتمتد حتى الساعة الواحدة صباحًا.. وقد عُين في المسجد النبوي عدد من موظفي الأمن من الرجال والنساء الذين يوزعون الزوار ويفوجوهم بشكل منظم (قدر المستطاع). وهم يبذلون جل جهدهم رغم اختلاف الثقافات.
قررت الزيارة بعد صلاة الظهر مما دعانا إلى الانتظار بعد الصلاة ليتم توجيهنا إلى حيث الروضة الشريفة، ولكني فوجئت بالتزاحم والتدافع والهرولة إلى الروضة الشريفة بشكل يتعارض مع هيبة المكان وشرف اللقاء.
التدافع الهرولة والصراخ، الموظفات من جانب والزائرات من جانب آخر.. وكان الأحرى أن تكون المنطقة هادئة أكثر من المكتبات العامة بحيث لا تسمع فيها صوت الإبرة من هيبة المكان وصاحبه. شعرت بالحرج وأنا أرى الزائرات يتزاحمن، ويرفضن التحرك، ويستمرون في الصلاة في الروضة الشريفة رغم الازدحام والتدافع. وكذلك موظفات الأمن اللاتي كنا يصرخن على الزائرات: “سهلوا، سهلوا”، “يالله يا أخوات سهلوا …” أعلم أن ما يقومن به تنظيم لدخول الزائرات؛ وذلك حسب ما طلب منهن ولكن أعود وأقول أين هيبة المكان وصاحبه؟
والمشكلة أن موظفات أمن المسجد يحاولن تفويج الزائرات فقط بالكلام بصوت مرتفع، ولا يلزمنهن بالتنفيذ. فمن أرادت الإصغاء والانصياع لهن فليكن ومن لم تشأ فذلك شئنها وبإمكانها تجاهلهن وإكمال طريقها إلى الروضة. وكأنهن يخشين دعاء إحدى الزائرات عليهن أمام قبر الرسول، ولم تخشَ إزعاجهن له صلى الله عليه وسلم بالصوت العالي.
لا ننكر ما يقوم به المنظمون من حرص واهتمام، وما يصيبهن من تعب خلال اليوم من ترتيب الناس وتوزيعهم وتفتيشهم. ولكن مثل هذا المكان يجب أن يعاد النظر في ترتيبه وتهيئته لاستقبال فئات مختلفة من العالم الإسلامي بثقافات ومذاهب ولغات ولهجات مختلفة..
ويمكن تهيئة المكان من خلال وضع جدار زجاجي بباب إلكتروني يفصل بين التفويج الأول والثاني وبين الثاني والروضة الشريفة؛ بحيث يمنع تدفق الزائرين والزائرات أكثر من اللازم .. قد يتوجب تحديد العدد المفروض تواجده في الروضة الشريفة. يجب أيضًا أن تعد تعليمات للزائرات بآداب الزيارة وشروطها وهي عدم التباطؤ والتأخير عدم رفع الصوت وعدم التبرك؛ إعمالًا لقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله عَلَى قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وبالتالي من حق موظفي الأمن إخراج أي شخص بالقوة في حال عدم التزامه بالآداب المشروحة.
قد يحدد عدد الأفراد المفروض تواجدهم في الروضة الشريفة بحيث لا تتجاوز 30 فردًا، وبالتالي تحدد مدة الزيارة لها كمجموعة بمدة لا تزيد عن ربع ساعة .. قد يتم وضع نظام اليكتروني لحجز موعد للزيارة بحيث تكون في نظام إليكتروني يحجز لكل 30 شخصًا في وقت واحد لمدة ربع ساعة…. إلخ هذه الطرق من الترتيب، أهم ما في الموضوع أن يكون الهدوء هو العنصر الأساسي في المكان .. فالروضة الشريفة أعظم أهمية من المكتبات والمتاحف العامة التي يمنع فيها الحديث. بل هي أهم وأعظم مكان يجب أن يكون معلمًا ورمزًا ومدرسة سلوكية لمن يزورها.