بعد مرحلة ابتزاز معنوي للسعودية يستهدف أمنها الداخلي والخارجي، جاء أوضح وأجرأ بيان في تاريخ السعودية متوافقًا مع المصادر التركية من أجل تجاوز كل التحليلات الإعلامية التي يعتقد بعضها من أنها تراهن على استغلال حادثة مقتل خاشقجي من أن السعودية ستتعرض لضربات شديدة داخليًا وخارجيًا سيحولها إلى إمارات صغيرة.
خصوصًا إذا أدركنا أن القضايا الاستخباراتية العالمية تتنصل منها الدول مثل رفض روسيا الاعتراف بتسميم سيرغي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سالزبوري البريطانية، رغم أن بريطانيا أثبتت أن المادة صنعت في روسيا، لكن السعودية اتخذت أجرأ قرارفي تاريخها في إصدارها بيان خلال سبعة أيام كشف الملابسات التي تكاد تكون قضية دولية تم تسيسها.
وقال الملك سلمان نحن الأولى بكشف مصير مواطن سعودي حتى لا نترك لجهات معادية للسعودية النيل من السعودية بحجة الدفاع عن خاشقجي، لذلك أتى البيان فجر السبت 20 أكتوبر 2018 يؤكد أن الصحفي السعودي جمال خاشقجي قتل في قنصليتها بإسطنبول بعد وقوع شجار واشتباك الأيدي مع عدد من الأشخاص داخلها في 2 أكتوبر بعد ظهور مؤشرات تدل على إمكانية عودته للبلاد، مضيفة أنها أوقفت 18 سعوديًا على ذمة التحقيق تمهيدًا للوصول إلى كافة الحقائق وإعلانها ومحاسبة جميع المتورطين في هذه القضية وتقديمهم للعدالة، وأتى هذا التحقيق بناء على المعلومات التي قدمتها السلطات التركية للفريق الأمني المشترك.
لم يكتفِ الملك سلمان بهذا البيان، بل أصدر قرارات بإعفاءات على رأسهم نائب الاستخبارات العامة أحمد عسيري من منصبه، وإعفاء المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني من منصبه، بجانب تكليف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إعادة هيكلة جهاز الاستخبارات السعودي، وتحديث نظامه وتقييم الإجراءات والأساليب والصلاحيات المنظمة لعمله، والتسلسل الإداري والهرمي بما يكفل حسن سير العمل وتحديد المسؤوليات.
السعودية كانت جريئة في التصدي لأخطائها، وهي تثبت للعالم أنها تراجع نفسها من حين لآخر، وأن الأخطاء التي من الطبيعي أن تحدث حتى لا تتكرر، وأن هناك حزمًا لتقصي كل ملابسات القضية، وأن العدالة السعودية أوقفت المشتبه بهم، ولم تتوقف السعودية عند هذا الحد، بل أعربت عن بالغ أسفها لما آلت إليه الأمور من تطورات مؤلمة، وبذلك لم تترك السعودية بعد هذا البيان الجريء الواضح أي تضارب في البيانات والروايات التي تحولت إلى مزار تنتهك فيه أمن ومكانة وسمعة المملكة.
أستاذ بجامعة أم القرى