تتعرض المملكة العربية السعودية لهجوم ممنهج في وسائل الإعلام الأجنبي، ومواقع التواصل، وإذا نظرنا نظرة الفاحص إلى أسباب هذه الهجمة وتداعياتها، يمكن أن نردها إلى سبب رئيسي، وهو تمسك المملكة – حفظها الله- بثوابتها وقيمها، واحتكامها إلى شرع الله –عز وجل- في كافة شؤونها، الذي جعلت منه منارة في طريق رسم سياساتها الداخلية والخارجية، تستقي منه مبادئها وأحكامها. في الوقت الذي يشعر فيه الناس بالنمو المتصاعد لمؤشرات الاقتصاد السعودي، واتساع نفوذ المملكة في موازين القوى الدولية، وفي الوقت الذي تبني فيه تحالفاتها العسكرية في كل اتجاه، وتخوض المعارك العادلة في أكثر من موقع، إلا أن ذلك لم يزدها إلا قوة وصلابة، ومتانة اقتصادية وسياسية، حتى باتت ذات تأثير حقيقي في توازن القوى.
بينما في أماكن أخرى نجد أن المنطقة من حولنا مشتعلة تموج بالمناهج والتيارات الفكرية المتنوعة في عقائدها ومرجعياتها؛ وتتجاذبها القوى المختلفة، الأمر الذي دفع بها إلى فتح مناطق الصراع، وأدت بالتالي إلى نشوب التناحر، والتنازع، والاحتراب فيما بينهم وبين شعوبهم، فعاثوا في بلدانهم فسادًا، وتسببوا في تغول العدو في بلدانهم، وسلب مقدراتهم وثروات أوطانهم، عبر حرب استنزاف طويلة الأمد.
حرص أعداء المملكة كل الحرص على نقل هذه المناهج المضللة إلى أبنائنا الشباب، ونقل ساحة المعركة إلى أوطانهم، فحاولوا جاهدين شحن عقولهم للتخلي عن سماحة الإسلام وعدله ووسطيته، إلى مناهج الضلال والغلو والجفاء، المعتمدة أساسًا على زرع البلبلة، والتشكيك في شرعية الدول، والسعي في إسقاط الحكام والعلماء، واستبدالهم برموز وشخصيات لها باع طويل في القتل والدمار، وفي نشر العنف والفوضى، وإضعاف الأمن والأمان، وزعزعة الاستقرار.
إنهم يستهدفون أمن الدول، وضرب استقرار الشعوب، وإثارة القلاقل والفتن، ولهم تأثير مدمر، إن تمكنوا من بلوغ أهدافهم، وهذا ما لم يحصل لهم -ولله الحمد-.
تكمن خطورة هذه المناهج أنها اتخذت من الخروج على الدولة وولاة الأمور الشرعيين، طريقًا لإقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يعني في اعتقادهم إذا لم تكن الدولة مرضية السيرة كما يحلو لهم، خرجوا عليها بالسلاح وجوبا، وعدوا هذا أصل من أصول الدين، وسلفهم في ذلك الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي “رضي الله عنه”، ثم خرجوا على من بعده من خلفاء دولة بني أمية وبني العباس، فخروجهم على الشرعية كان بناءً على هذا الأصل الفاسد الذي أصلوه، وأسموه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إلا أن الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبدعم سخي من الدولة، وجدت أن الوقت قد حان لالتقاط فرصة بناء مبادرة علمية تطبيقية تعيد للأذهان منهج سلف الأمة الصالح في فهمهم لمعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرجاع الناس إلى حضن الوسط والاعتدال، الذي إنما شرع لإصلاح حياة الناس، وإخراجهم من دائرة الهوى والعبث، إلى طريق الله المستقيم ومنهاجه القويم، الذي يحقق لهم مصالحهم في الدنيا والآخرة، ويحفظ لهم دينهم ونفوسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم، وبذلك تكون مثل هذه الملتقيات العلمية قد كشفت ضلالات وزيف الأيدلوجيات المنحرفة، وأوصدت الباب في وجه أفكارها وأطروحاتها وشبهاتها، وقطعت الطريق عليها في إفساد العقول والفكر المعتدل، وفوتت عليها فرصة إحداث شرخ في منهج الوسط والاعتدال.
فجاء “المؤتمر الوطني لمنهج السلف الصالح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودور المملكة العربية السعودية في تعزيزه”، ليقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالبه الطبيعي، ويدعو إليه في صفائه ونقائه، وتوازنه واعتداله، ويحرره مما علق به من بعض مظاهر الغلو التي ألصقها به بعض المتنطعين والمتسرعين ممن بضاعتهم في الدين وعلومه مزجاة، وخبرتهم بسنن التغيير ضعيفة، فأفسدوا من حيث أرادوا الإصلاح، وأساءوا من حيث ظنوا أنهم يحسنون صنعًا.
إن اهتمام معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أ.د/ عبدالرحمن بن عبدالله السند بهذا المؤتمر لحظة بلحظة منذ تلقيه التوجيه الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-حفظه الله، وأعز شأنه- وبمتابعة مستمرة من قبل سمو ولي العهد الأمين، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، الأمير/ محمد بن سلمان –حفظه الله – وسؤاله المستمر عن المراحل التي قطعها المؤتمر؛ ليؤكد معاليه على الدور الأساسي الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في تعزيز شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعمها الدعم السخي الذي تستمد منه الهيئة شرعيتها والنهوض بواجباتها ومسؤولياتها، وإسهامها من خلال موقعها في تعزيز أمن المملكة الوطني.
دكتوراه في الشريعة والقانون
@DrAalsh17ihri