كتبت عدة مقالات في سلسلة -أنوي أن تكون طويلة- عن نعم الله علينا الوافرة، وأحاول في هذه المقالات أن أتحدث بشكلٍ أوسع عن النعم التي نعيشها وقد لا نشعر بها!، وعن بعض النعم التي لا نراها كذلك كمقالي عن (نعمة المرض).
ومن النعم التي ينعم الله بها علينا هي (نعمة البكاء) التي يتغاضى عنها البعض، ويكابر عليها الكثير -خصوصًا من مجتمع الرجال-! فبعضهم يرون دمعة الرجل ضعفًا، وقلة منهم يرونها إنسانية.. رغم أن البكاء حالة بشرية طبيعية يحتاجها الإنسان في أوقات الحزن والألم والصلاة، والفرح الذي نبكي فيه ونحن على منصة الإنجاز.
البكاء يحررننا من القيود، ويخترق جدران التبلد التي تتكالب على قلوبنا، ويكسر فينا المكابرة المنكسرة، ويعيدنا إلى إنسانيتنا المحضة، ويزيل عنا مجموعات الكبت الجاثمة على صدورنا.
فالبكاء دواء لكل مكدرات الحياة، وبلسم لكل الصدمات والجروح.. فالحرارة التي نعيشها أثناء انهمار الدموع هي ترياق يمدنا بإكسير الحياة.. وآه لو كان هذا البكاء بين يدي الله في ركعة وسط الظلام حيث الدموع النبيلة.
اغسل قلبك بالدموع، اغلق على نفسك الأبواب، وسافر في سماء الدمعة، دع عيونك تعبر عن آلامك، تعبر عن تلك الأحاديث التي يضج صداها في صدرك، عن تلك الصعوبات التي تنخر في أعماقك، عن الجوانب التي لا تفهمها في واقع الحياة!، عن هذا العالم الذي لا تعرف هل هو عدوك أم صديقك؟، عن التشظي التائه الذي يسكنك، عن هُلام الهوية الذي يبعثرك!.. ابك ودع كل هذه الهموم تخرج كسيول دفاقة من مآقيك الحائرة الحزينة.. فبعد الدموع تشتعل فيك شموع الألم، وتتقد حيوية الحياة.
واليوم خصوصًا في شرق آسيا كالصين واليابان توجد أماكن خاصة للبكاء، حيث يتم فيها وضع جميع المؤثرات التي تساعد على البكاء، سواء كان ذلك عبر الموسيقى أو بقية مهيجات الدموع المعروفة، وذلك إيمانًا منهم بأهمية البكاء في إزالة ضغوط الحياة.. فالبكاء نعمة لا نكابر عليها.
حكمة المقال:
أن تتساقط باكيًا بين يدي الله فذلك هو الفوز الكبير، فالنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من عين لا تدمع.. ودموعك في السجود هي طريقك نحو الله.