بما أن وسائل الإعلام أصبحت هي من يشكل الرأي العام ويتحكم في صياغته وتوجيهه، حيث يظهر ذلك جليًا سواء من خلال القنوات الإعلامية والإخبارية أو الصحف وأعمدة الرأي، وذلك ما لمسناه من خلال الحملة الشعواء التي شُنت على المملكة في الفترة الأخيرة.
لقد واجهت المملكة مؤخرًا حملة شرسة من وسائل إعلام مختلفة.. أقولها وبكل أسف استطاعت هذه الحملة أن تساهم في انخفاض مستوى النظرة العالمية والتأييد الدولي الذي تحظى به المملكة، وبما يؤكد مدى قوة وتأثير الإعلام على الرأي العام وما يلعبه من دور كبير ومؤثر في توجيه المجتمعات والشعوب، خاصة بعد أن أصبح (الانحياز) هو السمة الغالبة لمعظم وسائل الإعلام، وأصبح نقل وتناول الخبر يعتمد على توجه وميول الوسيلة الإعلامية والقائمين عليها، وبعيدًا عن الواقع والتوصيف الحقيقي، فكلٌ يصف الحدث حسب توجهه الفكري والأيديولوجي والسياسي، حتى صار تتبع أي قناة أو صحيفة أو موقع إلكتروني مبنيًا فقط على القناعات الشخصية، وفي ظل عدم وجود وسائل إعلام محلية قوية، قادرة على مجابهة الإعلام الدولي المضاد والمضلل.
إن الإعلام يعد هو المحرك لكل سلوكياتنا وتصرفاتنا، فبإمكان الآلة الإعلامية التي تعمل صباح مساء، أن تشكل التصورات وتغير القَناعات والمعتقدات، بصرف النظر عن كون هذا التغيير إيجابيًا أو سلبيًا، فهناك العديد من وسائل الإعلام الموجهة، تدفع الجمهور إلى تبني رأي معين من خلال إيهام المتلقي بأن موقفها يمثل الرأي العام، فتصفه مثلاً بأنه يمثل الموقف الدولي أو الإحساس العام، أو من خلال ربط الأحداث بالأخلاقيات والتقاليد، والادّعاء بأن الآراء الأخرى تخالف ذلك، وأنها آراء شاذة، أو عبر تقديم تفسيرات قانونية اجتهادية لتصبح أعمال أصحاب الآراء الأخرى وأنشطتهم خروجا عن القانون، مستغلة في ذلك عاطفة وقابلية المتلقي للتفاعل ، ومن خلال سطوتها على الإقناع، والتنوع، والتكرار.
لقد بات من الضروري تطوير إعلامنا المحلي، وإيجاد وسائل إعلام محلية قوية ومتمكنة، وقادرة على إبراز الدور الريادي للمملكة، وإظهار الوجه الحقيقي الوضاء لهذه البلاد المباركة، والتصدي لكل محاولات التضليل والتقليل من هذه الأهمية، فلقد وهب الله بلادنا العديد من المقومات الدينية والاقتصادية والسياسية .. والتي بوأتها مكانة عاليه ولله الحمد، وأصبح لزامًا وجود قنوات إعلامية وصحف ووسائل على قدر عال من الجودة ومواز لوسائل الإعلام العالمية أو من خلال استقطاب الكفاءات والخبرات، وينبغي أن نولي الإعلام المنضبط اهتمامًا بالغًا، ذلك الإعلام الذي يقدم لنا ثمرته الصادقة التي تتناغم مع هويتنا الإسلامية ومنظومتنا الأخلاقية، ويتجاوز كل الأزمات، بل ويدفع مسيرتنا نحو الرقي المنشود، ويحبط كل مخططات الأعداء في مسخ الأفراد وطمس الأمجاد وتأجيج الشهوات.
لقد أدركت الأمم المتقدمة سحر الإعلام ودوره المحوري وسلطته المؤثرة، فأنفقت الملايين لتحقيق سياساتها من خلاله، لإقناع الجماهير بشرعية خططها وبرامجها، وهناك دويلات صغرى لا تمتلك أي مقومات نهضوية، إلا أنها أدركت القوى الحقيقية للإعلام، فاستطاعت أن تحقق أهدافها من خلاله.
لم يعد الإعلام أمرًا هامشيًا أو كماليًا كما يظن البعض، بل أصبح صناعة ضرورية لها فنونها ومهاراتها وميزانياتها، بل ويعتبر دليلًا على التحضر والعصرية ومواكبة التقدم، وأصبحت وسائل الإعلام تقوم بجزء من عمل الجيوش، وأضحت الحروب الإعلامية تكلف أحيانًا أكثر من الحروب التقليدية، وباتت الصحافة – وهي السلطة الرابعة – تنافس السلطات الثلاث، بل وتعمل على توجيهها والتحكم فيها في معظم الأحيان، فالأمة التي لا تضع الإعلام في مقدمة اهتماماتها، فإنها لن تتمكن من مواجهة التحديات، وستكون عرضة للسقوط تحت تأثير أي إعلام معاد لإرثها السياسي والثقافي والحضاري.
فمتى تدرك وزارة الإعلام هذه الحقيقة ؟