أدرك أن الساحة لاتهب التفرد بسهولة، سعى لاكتساب مشروعية الحضور على طريقته ، منطلقًا من إيمانه العميق بأن الكلمات لاتمنحنا اللذة والدهشة ولا حتى الواقع، بل إنها يمكن تدافع عنه نيابة عنا، شاهدته غير مرة يقف وسط الحقل
فيما جيوش من الطيور تحتله؛
ولأن أهل القرية لاقبل لهم بهذه الجحافل؛ فإنه يقايضهم
أفرق الطيور عن الحقول
مقابل شطير أو اثنين، وربما أكثر بحسب مايروقه، في كل مرة يعلنون موافقتهم مكرهين؛
حيث المحصول في خطر
ولا سبيل لحمايته إلا عبر إشعار الرجل العجوز يرفع سبابته ..
يكتب بها في الهواء
(يا معشر الطير.. يامعشر الجرذان .. لامقام لكم فيها)
لا أعرف ماذا كان يقول بعدها،
لكنه يتمتم بشعر وفير.
يلقيه في أرجاء الحقل،
مشهد مهيب يتشكل
وواقع مغاير ينشأ على أنقاض الشعر.
تمتلئ الساحات المحيطة
والمساقي بأعداد هائلة من الجرذان والفئران
والجراد التي تغادر الحقل سريعًا
ثم تقضي نحبها؛
وكأنها تمارس طقس انتحار جماعي.
تستقبل اللحظة برضا الأهالي
الذين يمجدون شعره دون أن يعوا ماقال،
لكنهم يرون أثره
يزداد إيمانهم بالشعر كملاذ آمن بإمكانه أن يساعدهم ويشفيهم،
بل ويدافع عنهم على نحو سحري،
لم تغادر الطيور الحقل حتى اللحظة، لكن الخلاص من جيوش الفئران والقوارض مكسب آني متحقق، وفي الوقت ذاته ثقتهم مفرطة في الشاعر العجوز
أفعى كبيرة تظهر .. شاهدناه وهو يطويها
ويضعها داخل فانيلته ..
وسط دهشتنا
كان يغريها بالشعر بتنويعات تناسب الأفاعي؛
حيث كلماته تصوغ واقعًا جديدًا لها، وهو مافعله مع الطيور التي تنسحب بعيدا على وقع كلماته التي تتباهى بتشييد واقع مغري للكون والمخلوقات والأشياء؛
مستعينًا بالأطياف التي تحل محل الواقع الحقيقي،
يخرج من الحقل مستمتعًا بإنجازه وسط تهلل أهالي القرية وفرحهم الغامر واعدًا الجموع بإلهام جديد شريطة أن يتوزعون أرباعا مواصلا بناء الواقع من الكلمات:
فأربعة للكتاب
وأربعة للحساب
وأربعة يمسكون الباب
وأربعة هبهب
لادين ولا مذهب
رحل محتفظًا بأسراره الكبرى
وعالمه العصي على الإدراك،
لكنه غاضب حفيده حين أشار إلى فرضية السحر فيما يفعله
وسخر منه قائلًا:
يالفداحة ماظننت.
حين تفهم معنى أن اللغة تقبض على الواقع
تحيله حجرًا تشيد به بروجًا
وتصنع منها بشائر ومصادفات
وعالم شفاف
تكون حينها قابضًا على اليقين
وأغمض عينيه إلى الأبد.
قاص سعودي