حمد الكنتي

ذاك سر فيهم!

تموج المدن بالناس، وتزدحم الشوارع بالسيارات والمارة، وتكتظ المكاتب بالموظفين والمراجعين، وتمتلئ المدارس والجامعات بالطلاب والطالبات، ويركض الكثير في المصانع والشركات…فهذا أبيض وذلك أصفر وآخر أسود أو بني… ملامح مختلفة، وسحنات متنوعة…بعضهم طوال القامة، وآخرين قصار القامة، وأكثرهم وسطًا بين هذا وذاك…هم أعراق شتى ينحدرون من قبائل متنوعة، ولكن المشترك بينهم جميعًا يكمن في أنهم يبحثون عن الاحترام، ويسعون للتقدير… ويستحقون أن تحفظ كرامتهم جميعًا في أي منصب كانوا، ومن أي قبيلة جاءوا، وفي أي مهنة عملوا، فالاحترام حق مشروع للجميع…وحق حفظ الكرامة من أولى الحقوق البشرية، كما قال الله في القرآن ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾ فلم يحدد سبحانه أي جنس أو ديانة أو لون.

المقصد من هذه المقدمة الطويلة هي تلك الأحكام التي نسمعها هنا وهنالك؛ فيحكم شخص على دولة كاملة بأنهم نصابون، ويحكم آخر على قبيلة كاملة بأنهم جهلة. ويسخر البعض من عرق معين، ويسمح البعض لنفسه بإهانة فئة من الناس لأنهم ليسوا من التراب التي جاء منها، ويجيز آخر لنفسه أن يستهزئ بشخص بسبب مهنة معينة.

وهكذا يتسابق الكثير على الانتقاص من الناس، في تصرف نهى عنه الله في القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولئك هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ فلا لا أحد يعرف من أفضل عند الله هو أم هم.

والأغرب من ذلك من يحكم على قبيلة كاملة بتصرف خاطئ لفرد منهم، ويقول بملء فيه (ذاك سر فيهم) وكأن الجين يفرض على الإنسان أن يفعل ما يفعل؟ وكأن الإنسان مسؤولًا عن أخطاء قومه أو جينات أجداده.

وأنا لا أنكر وقوع شيء من هذا، ولكن لا يجعل الأمر فرضًا ولزامًا على الجميع، فلقد رأى الناس على مر العصور الطفل الذكي من العائلة الغبية، والفتى الجبان من العائلة الشجاعة، والحكيم من المجتمع الهائج…وما الأنبياء عنا ببعيد في ذلك، فكلهم خالفوا أساليب آبائهم وقبائلهم ومجتمعاتهم، فالبيئة قد تؤثر، ولكن الإنسان العاقل والمتعلم يبني مجده بعيدًا عن وهم الأعراق، وصيرورة القبيلة، فالإنسان هو من يقول: أنا موجود وليس كان أبي.

وأنا أعترف بأنني لا أفهم كثيرًا في هذه الأمور، ولكنني أطرح هذه التساؤلات بين معشر القراء لكي تزيدوني في هذا الموضوع المهم، والذي يتسبب في جرح مشاعر الكثير، فهنالك يقول لك بأن الحُر لا يفعل سفاسف الأمور، كما قالت هند بنت عتبة للنبي – صلى الله عليه وسلم- حينما قال لها تبايعين على أن لا تزني، فقالت مستنكرة: (أو تزني الحرة) فهذا شيء جميل، ولكن رأينا عبر التاريخ أبناء الناس الأفاضل يفعلون سفاسف الأمور، ورأينا من يتم انتقاصهم يقومون بأفعال نبيلة، فالأمر يعود على ذات الإنسان، وليس على أصله وعرقه.

حكمة المقال:

تطورت الدول المتقدمة على سواعد جميع الأديان، والأعراق، والألوان، وأصبحت تقود العالم، ونحن لا زلنا نتساءل (أنت وش انت؟، هذا قبيلي وهذا دخيل! وهذا …..) والأيام تمضي ونحن نتوقف.

كتبه/ حمد عبد العزيز الكنتي

Related Articles

2 Comments

  1. رائع طرحك و اروع من ذلك ردودك على نفسك مم واقع حديث الروح و اشهادك ب هند بنت عتبة في مقالتها لاشك ان الخيرين دأبوا ان يبقوا بتربية اجيالهم قيما اخلاقية ذات ايجابية و مصداقية حتى تبقى و كأنها علامة مسجلة ليكون ماسواها مخالفا شذوذا
    لاكن ايضا مما معلوم بحكم التوارث و حب التمييز بالافضلية ما يكون تجاوزا غير اخلاقي عند البعض و يتعالى به على الآخرين مستمدا ذلك من هيبة اسرته قبيلته نفوذه المادي و ما الى ذلك و للاسف ان هذا هو طابع المجتمع الذي اشرت اليه في عنوان منشورك و قد كان من يستفيد من تلكم الميزات لايرضى حتى لمثل نقدك هذا و قولك (ذاك سر فيهم )
    و طبعا هنا هو سر السري لديكم و في آخرين قد يقصد الجبن و في آخرين يقصد المروئة و الشجاعة كل تلك اراها كانت اخطاءا تاريخية موروثة من حقب كانت ازمنتها تساعد على ذلك و لاكن الزمن تغير بتيسر المعرفة التي توضح الرئيا و تبين الحقائق و لايوجد ابدا سرا خص قوما و استثنى آخرين
    الامير / الشيخ بشيبه

    1. حبيبنا كلامك جميل كيف اقدر اتواصل معك هل لديك فيس بوك او تويتر نتواصل عليه

      يهمني الحديث اكثر معك في هذا الموضوع

      وممتن لتفاعلك مع مقالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button