عاش شارع الشانزليزية يوما لم يعتاده من عشرات السنين بعدأن نزل متظاهرون ليعبروا عن غضبهم من ارتفاع أسعار البنزين وتراشق وزير الداخلية مع بعض الوزراء المعنيين عبارات الاتهام بمن كان السبب خلف هذا الحدث الذي إيقظ مضاجع الدولة مما جعلها تطلق الغازات المسيلة للدموع بقنابل لمحاولة ردع المتظاهرين بما يزيد عن ثلاثة آلاف شرطي طالبوا بالمدد لمواجهة هذا التدفق مستخدمين خراطيم المياه لإيقاف الزحف نحو قصر الإليزيه الجمهورية للتعبير عن استيائهم متخذين من السترات الصفراء شعارا لهم للتعريف بأنفسهم ولينضم لهم البقية من المتضجرين المتضررين المحتجين على حكومتهم في لغة لم تشهدها فرنسا وهي شرارة قد تنتشر نارهاوتنتقل للضواحي مما قد يجعل الوضع ينفجر أكثر في ظل وجود عصابات تعاني من التهميش ويكون هذا الانفجار حجة ليشاركوا فيموجة المظاهرات الذي سيجعل الوضع متفاقما أما الدولة الفرنسية ما لم تلبي نداءات وطلبات المتظاهرين الذين بدأوا يومهم بقوة فاقت قدرة الأمن على السيطرة .
طبعا الرئيس ماكرون واجه تحديات كبيرة وواجهته مصاعب منذ تسلمه رئاسة فرنسا لم يستطع حلها ولا حلحلتها لأنه انتهج نهجا يميل فيه لترجيح كفة الأغنياء على حساب الفقراء من شرائح المجتمع الفرنسي الذي تزعم حكوماته أنها ضد العنصرية وضد اضطهاد الشعوب فيما تمارس أبشع صورها في مجتمع تتعدد فيه الأعراق وبالعودة للوراء فقد شهدت فرنسا مظاهرات متلاحقة كان آخرها في شوال العربي من هذا العام بمدينة نانت الفرنسية بسبب مقتل شاب من ذوي البشرة السمراء على يد قوات الأمن بعدها بشهر شهدت البلاد مظاهرات دعت لها النقابات العمالية لأكثر من عشر مرات منذ تولي الرئيس إيمانويل ماكرون بسبب النموذج الذي طرحه الرئيس ويرى مراقبون للوضع بأنه في حالة استغلال هذا الظرف السيء العصيب الذي تشهده العاصمة من قبل الأحياء االمنسية والمهمشة اجتماعيا فقد لا تتوقف الأمور عند حد معين بل قد تتفاقم ويغلب الشق على الراقع .
قبلها شهدت نيس الفرنسية مظاهرات أطلقها موظفون متقاعدون بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ضدهم إلى جانب إضرابات العمال في محطات القطار وهذا ما جعل شعبيته تتراجع بعد أن ظهر ذلك جليا في استطلاعات الرأي العام من خلال العديد من المراكز البحثية مما جعل الفرنسيين يقيمون مأتما احتفاليا بمناسبة مرور عام على تسلمه مقاليد البلاد بما سموه ( حفلة ماكرون ) للاحتجاج على سياسته الداخلية والخارجية وفي مايو من هذا العام تظاهر عشرات الآلاف في شرق باريس تلبية لدعوة ستين حزبا يساريا وجمعية ونقابة تعبيرا عن تصديهم لسياسته الاقتصادية ومشروع قانون العمل الذي ينحاز للشركات وأرباب العمل في بلد تصل نسبة البطالة فيه إلى 10% بين الشباب بالذاتحيث سموا قانونه الجديد ب” قانون خمري ” نسبة لوزيرة العمل وجمعتالنقابات خلال اسبوعين مليون توقيع ضد هذا المشروع إلى جلنب هذا وذاك فالبلاد لم تشهد إستقرارا منذ تولي ماكرون الحكم كان آخرها ما تشهده اليوم بعد أن انتهج سياسة الإملاءات الخارجية باتباعه للعوزتين في ألمانيا وبريطانيا في مواجهة الولايات المتحدة وترامب بالتحديد بسبب الاتفاق النووي الذي عقده أوباما مع إيران وتنصل منه ترامب بعد أن وجده لا يلبي طموحات أمريكا ولا يقلم أظفار المجوس التي يريدون بها خربشة الخارطة العربية والتأثير على الحلفاء في الشرق الأوسط من خلال بعض السياسات لدول موصومة بالإرهاب وتغذيته في العالم وعلى رأسها قطر وحاضنة الإرهاب إيران وأذرعتها في العالم العربي وغيره من دول العالم .
طبعا كل ما سبق ذكره هنا وما لم يرد تصب في صالح الشعب الفرنسي ضد سياسة ماكرون الذي لن يصمد أمام سيل الاحتجاجات وتنوع الأسباب التي أوصلت فرنسا إلى هذا المستوى من الاضطرابات التي طالت شرائح كثيرة من المجتمع وبالذات الذين يبحثون عن لقمة العيش الكريم ولو بالكفاف والذي لن يجعل النخب تستطيع التدخل وإخماد نيران فتايل الفتنة التي تشتعل في المدن والضواحي سبب سياسة ماكرون التي تتجه نحو التصعيد بقوانين لصالح الموسرين وضد الفقراء والطبقة الكادحة التي تقوم عليها تنمية فرنسا وتطورها الحضاري .
تلويحة وداع :
لا نتمنى أن تشتعل الفتن في الشرق والغرب ولكن كما يقول المثل ” جنت براقش على نفسها ” وأعني ببراقش هنا العجوز الألمانية ميركل وجارتها البريطانية تيريزا فهما بانحيازهما لصالح الاتفاق النووي الإيراني الأوبامي والتدخلات في بعض الشؤون الخليجية سيواجهان ما واجه ماكرون وإن غدا لناظره قريب .