زوجتي استشارية نساء وولادة، بمستشفى جامعة الملك عبد العزيز، بجدة، وقد اختارت المشاركة بالتدريس في كلية الطب الجديدة، بالقنفذة، لمدة أسبوع. والقنفذة، لمن لا يعرفها، ميناء بحري له تاريخ عريق، عدد سكانها ٢٠٠ ألف مثقف، وتبعد 334 كم جنوب مدينة جدة.
تروي عن تجربتها القصيرة: ”أشعر أنني في مهمة تطوعية. الكلية جديدة، هادئة وإيقاعها هادئ، بأكثر مما تعودت عليه. ومع ذلك ، فمعظم الطالبات لديهن حافز كبير وحيوية عالية، أحزن عليهن لأن عليهن التعامل مع مدرسات جديدات كل أسبوع.
”لم يوافق أحد على البقاء هنا بشكل دائم، حتى الذين هم في الأصل من هنا. عندما تعتاد على الحياة في المدن الصاخبة، تجد صعوبة في العيش في الأرياف والمدن الساكنة. وحتى لو ناسبك ذلك، فقد لا يناسب أسرتك. وإن تركتهم في جدة وزرتهم في عطلة الأسبوع، فلن تستطيع المواصلة سنة بعد أخرى. فإلى أن تتوافر وسائل نقل عامة أسرع وأكثر راحة، كالقطارات، ستضطر لقيادة سيارتك على طريق خطير مبتلى بأعلى معدلات الحوادث المميتة في المملكة. والمدهش أن وزارة النقل فشلت خلال عشرات السنين في تسييج الخط لمنع عبور الجمال والدواب!
الحل الذي تقترحه زوجتي هو التجنيد المدني. التجنيد في أجزاء كثيرة من العالم كلمة مروعة. فبالنسبة لهم يعني أن الشباب يؤخذون قسرًا من أسرهم للخدمة في الجيش لسنوات، بدون راتب، وفي ظروف قاسية.
لذلك نحن بحاجة إلى اسم آخر ، نهج آخر. فبدلاً من مسمى “التجنيد الإجباري” مع ما تحمله التسمية من قسرية، لنطلق عليه مسمى ”الخدمة الوطنية“.
أتفق مع مقترح زوجتي، فنحن بحاجة إلى مشاركة الشباب في العديد من المجالات، كالخدمات الطبية والمجتمعية والأمنية والدفاع المدني، وخاصة في المناطق النائية. ويشمل ذلك فتياتنا اللاتي أثبتن في كل مناسبة أنهن لا يقلن وطنية وقدرة على العطاء. فبعد فيضانات جدة، كان بناتنا أول من بادر وتطوع، وأكثر من قدم وأعطى.
وعليه أقترح النظام التالي:
تبدأ الخدمة الوطنية في المرحلة الثانوية وتمتد ما بين 18-35 سنة. المدة الإجمالية المطلوبة عامان. ويمكن للطلاب اختيار العطلة الصيفية للتدريب والخدمة. وعندما يحين التخرج، يكونوا قد استكملوا العامين. وإذا لم، فسيتعين عليهم أستكمالها بعد التخرج. ويمكنهم اختيار الحقول التي تناسب دراستهم ومواهبهم، والتنقل بينها بموائمة بين الحاجة والرغبة.
الهدف هو غرس الأخلاق، والمبادئ، والانضباط، والعمل الجماعي، والتدريب على المهارات مفيدة. ومثل الكشافة، فإنهم سيخدمون مجتمعاتهم وضيوف الرحمن، خلال مواسم الحج والعمرة.
وبالنسبة للفتيات وطلاب الثانوية، فليس شرطًا أن يعملوا في معسكرات. كما يمكننا استيعاب أصحاب الحاجات والظروف الخاصة بالعمل المكتبي عن بعد.
وبعد التخرج من الثانوية أو الجامعة، سيسهل على المتدربين أختيار التوجه الدراسي أو العملي، بناء على ما توافر لديهم من خبرات ومهارات. فهناك من سيختار العسكرية، أو العمل في القطاعات المدنية التي تدرب فيها، كالمراكز الصحية والاجتماعية والبلدية والجمعيات الخيرية.
والخدمة الوطنية ليست تطوعية، ولذلك أقترح أن تكون هناك مكافآت مادية رمزية كنوع من التقدير ولتغطية النفقات الشخصية. كما أنها فرصة لأبنائنا للتعرف على ربوع بلادهم، واستكشاف كنوزها، والتعارف مع أخوانهم في المناطق الأخرى.
نحن مجتمع شاب. معظم سكاننا أقل من 35 سنة ، مع 70 ٪ تحت سن الثلاثين، مجموعهم 15 مليون شاب وشابة، كلهم على قدر عال من التعليم، إلا أنهم يفتقدون للتدريب والممارسة العملية.
لذا ، وبدلًا من إقناع (أو تسول) موظفين دائمين في كليات مثل كلية الطب في القنفذة، يمكننا أن نجعل العمل هناك، وفي المناطق النائية الأخرى، خدمة وطنية للخريجين. وبالإضافة إلى ذلك، نفرض على المتخرجين من الأطباء والمهندسين والمهنيين العمل في المدن الصغيرة لأعوام، قبل أن يتم نقلهم إلى المناطق التي يختارونها. مثل هذا النظام نجح في قطاع التعليم، فلماذا لا نطبقه في المهن الأخرى؟
ليس من المصلحة أن يتركز السكان في المدن الكبيرة، حيث تتوافر الخدمات والترفيه. وليس من الإنصاف أن يحرم البقية، في المناطق الصغيرة والنائية، من امتيازات مماثلة. نظام الخدمة الوطنية هو الحل!