كان لي مقال في الصحيفة الغرّاء مكة حول ما دار من حوار حول مطالبة البعض بأهمية الضرب في التعليم في لقاء استضاف كتاب الصحيفة اللواء عبد الله المالكي، وكانت هناك بعض الردود على مقالي٬ تؤكد وتصر على أهمية الضرب.
سبب كتابة هذا المقال ليس ردًا على معارضي، لأننا جميعًا ليست لنا قدسية، وجميعنا نسعى للوصول إلى الحق، وقد يكون الحق معي أو مع غيري، لكن أود أن أوضح نقطة مهمة جدًا في أهمية الحوار بأن لا يحاول أحدنا إسكات الآخر أو التعالي على الحوار، وممارسة الاستبداد وادعاء القداسة، رغم أن كل علماء الأمة أجمعوا أن لا قدسية لأحد، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يعني التقليل من فضل العلماء ومن علمهم.
هذه الصفات التي ذكرتها كانت من سمات بعض الصحويين، خصوصًا وأن الصحوة أتت بعد اقتحام جهيمان للحرم الشريف، وكذلك بعد الثورة الخمينية، رغم أن للصحوة إيجابيات كثيرة، خصوصًا في تعليم الناس أمور، دينهم وبشكل خاص في المناطق النائية، لكن البعض منهم تحالف مع الإخوان التي باركت الثورة الخمينية باعتبار أن هناك التقاء بين ولاية الفقيه والخلافة الإسلامية التي تسعى نحوها جماعة الإخوان المسلمين ولا تعترف بالدولة الوطنية، ونشأت جماعة تسمى بالسرورية، وحاولت في نفس الوقت إيران إنشاء جماعة حزب الله الحجاز، ولكن الدولة -رعاها الله- كانت لهم بالمرصاد ولم تسمح لتلك الأحزاب بالنشوء في بلاد الحرمين وتم تفكيكها.
ما يميز بعض الصحويين أن مارسوا القدسية وكانوا إقصائيين عندما غيّبوا بعض النصوص بحجة الأخذ بالأحوط، وكانوا يعتبرون أن للسعودية إجماعًا خاصًا بها يميزها عن بقية العالم، خصوصا فيما يتعلق بالاختلاط وغطاء وجه المرأة وأن المرأة مكانها البيت، ويمكن أن تمارس العمل فقط ضمن نطاق عمل المرأة، وهو ما ضيق عليها وحرمها من حقوقها الطبيعية وأعاق التنمية.
تعطلت التنمية وأعاقت توظيف المرأة إلا في نطاقات محددة، بسبب تحريم الاختلاط وممارسة أعمالها بحرية كاملة، بما فيه حقها في أن تسوق السيارة، وحاول الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله- تدشين الحوار الوطني لمعالجة تلك القضايا، ولكن الحوار لم يتمكن من إقناع تلك الفئة بالانفتاح على كامل النصوص، والأخذ بالأيسر من أجل ممارسة المرأة كامل حقوقها أسوة بالرجل، خصوصًا وأن الإسلام لم يحرم ذلك ولا توجد نصوص قطعية، وإنما هي اجتهادات خاصة أو مجتزئة.
لكن عندما تولى الملك سلمان -حفظه الله- الحكم حسم هذا الأمر الذي لم يتمكن الحوار الوطني من حسمه، وقرر وقف أدلجة الدين بدعم من علماء الدولة المنفتحين على كامل النصوص، للتماشي مع ظروف المرحلة الجديدة وظروف دولية تولت السعودية على أثر هذا القرار مسؤولية محاربة الإرهاب الذي دمر المنطقة، وهدد العالم، ونتج عنه تهديد الاستقرار، وتدفق اللاجئين على أوروبا من أجل وقف الحروب في المنطقة ووقف تمدد إيران، وتفكيك محور الإخوان المسلمين الذي كان نتيجته محاصرة قطر لوقف تمويلها لهذا المحور الذي يهدد الاستقرار في مصر وليبيا وسوريا واليمن.
انتقل إلى الضرب محور هذا المقال الذي يصر على أهميته مجموعة من الزملاء كأحد وسائل التربية والتأديب، ويستدلون بعدة أحاديث، لكن بالنظر إلى حديث إياس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد طاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئكم بخياركم) رواه أبو داود وصححه الألباني.
وجاء عن أنس رضي الله عنه في صفة النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب بيده لا امرأة ولا خادمًا ولا غير ذلك إلا أن يضرب في سبيل الله أخرجه أحمد في مسنده وصححه الألباني، فإذا رخص الله سبحانه وتعالى في ضرب الزوجة بعد وعظها وهجرها، ولكن ترك ذلك أولى وأكمل اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال ليس بأولئك بخياركم، لكن أذن الرسول صلى الله عليه وسلم بضرب المرأة في خطبة الوداع عندما قال: ( وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف).
وحتى ضرب الأولاد لن يكون إذا واظب الأب على تعليم ابنه الصلاة مدة ثلاثة أعوام قبل أن يبلغ العاشرة، وأوضح ابن عباس الضرب غير المبرح مثل الضرب بالمسواك وليس بالعصا، فالاستدلال بهذا الحديث من أجل تشريع الضرب في التعليم استدلال في غير محله، وهل ينتظر المعلم أن يتعلم الطالب ثلاثة أعوام بعدها يتجه لضربه فهو فهم غير ناضج، واستدلال غير موفق، بل يدل الحديث على منع الضرب بدلًا من الاستدلال على الضرب.
وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التأكيد على تأديب الأولاد ورعايتهم وعدم تركهم، بل ذكر ابن خلدون أن من شروط الحسبة مراقبة الكتاتيب التي يمارس فيها العنف ضد الأطفال.
لأن الضرب له آثار نفسية على الطفل مستقبلا فقد يولد أمراضًا نفسية خطيرة كالاكتئاب والخوف والوحدة والانعزال وضعف الشخصية وعدم القدرة على الاعتماد على النفس واتخاذ القرار، وقد يسبب آثارًا عكسية لدى نفسية الطفل قد يحوله إلى العنف وارتكاب الجرائم مستقبلا ( حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ).
الضرب ليس بيئة جاذبة للتعليم وهو أسلوب من فشل تربويًا وفشل أن يكون معلمًا أبويًا، ودائمًا ما يرفض الطفل الذهاب للمدرسة التي فيه معلم يمارس العنف سواء اللفظي أو باليد أو بالضرب، ويحب المدرسة التي تحبب الطالب بوسائل عديدة عبر الترفيه والرحلات واستخدام وسائل التقنية الحديثة التي تبعد المعلم كثيرًا عن استخدام التعليم التلقيني المرهق للطالب، وفي نفس الوقت يحبس التفكير، ويعطله بدلا من حثه على الابتكار والإبداع، لذلك هناك شروط عديدة يجب أن تنطبق على المعلم الذي لديه قدرة في الوصول إلى الطلاب ومعرفة تكوينهم النفسي، ومراعاة التفاوت الاجتماعي والسني وحتى في جوانب القدرات.
المطالب بالضرب في التعليم أين هو من قوله صلى الله عليه وسلم إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه»، أخرجه مسلم
اخي الفاضل المهندس راكان اشكرك لمتابعة الحوار الذي يفترض اننا تجاوزنا مرحلة الإصرار على الضرب في التعليم وانا اتاسف ان اكتب في موضوع لم اكن أتصور ان هناك بقايا تصر على العودة للضرب والأدهى من ذلك انها تربط غياب الضرب بتدهور التعليم
الشكر لله يادكتور ….مقال جميل وسلس لعل اللبيب يفهم أن فصل وتعديل كلمة التربية عن التعليم!! ليست هباء وإنما هو تخصص كل مستقل بذاته و يتفرغ هو لتربية أبناءه بمنزله!! ☺ دمت بفكر واعي يادكتور تحياتي لك.