أثناء خدمتي السابقة تكلفت بالعمل في منطقة حدودية بعيدة بعض الشيء عن مسقط رأسي، وسكن عائلتي التي بدأت تكبر، وتتحدد أهدافها المستقبلية وهم في أمس الحاجة لتواجدي بقربهم، ولكنها خدمة الوطن التي يجب نؤثره على أنفسنا، ونضحي من أجله مهما كانت الظروف.
في تلك الأثناء بدأت العمل في بيئة جديدة وأشخاص جدد من مختلف الرتب بعضهم لم يسبق له العمل معي بتاتًا، وكان من ضمن الموظفين ضابط نشيطٌ جدًا، وناجحٌ في عمله، وكان يقوم بكل ما يطلبُ منه بذكاءٍ وسرعةٍ ودقةٍ، كما أنه يحقق نسبةَ إنجازٍ عاليةً.
لكنه كان يتأخر عن زملائه في الحضور أكثر من نصف ساعة يوميًا، كما أنه كثير الاستئذانات وطلب الإجازات، في الوقت الذي كان زملاؤه الآخرون يحاولون جاهدين إبداء محاسنهم وتحسين صورتهم في نظر القائد الجديد !!!
ذاتَ مرة تقدّم ذلك الضابط بطلب إجازة ليسافر لزيارة أقاربه…لكنني استدعيته وسألته عن أسباب ما لاحظته من ملاحظات عليه، واتضح لي أنه العائل الوحيد لأسرته، وأن أخيه الأصغر يمر بظروف صحية صعبة جدًا، وقد حاول التغلب عليها فلم يتمكن من ذلك، كما أنه طلب النقل إلى منطقة أخرى يتوفر فيها علاج أخيه، ورغم ماقدم برفقة طلبه من أوراق ثبوتيه لم يساعده أحد بحجة ما عليه من ملاحظات أشرت إليها آنفًا.
وعدته بمساعدته قدر الإمكان، والسماح له بمتابعة حالة أخيه متى ما احتاج إلى ذلك، وغض الطرف عنه، والسعي لدى القيادة العليا للموافقة على نقله بشرط الاستمرار في العطاء، وتلافي الملاحظات كلما وجد إلى ذلك سبيلًا.
شكرني على ذلك ووعدني بتحقيق أكثر مما طلبته منه، وكنت أتحاشى مراقبته، وأتغافل عن ملاحظاته التي انحسرت كثيرًا بفضل مقابلتي السابقة له، ورفع معنوياته ومشاركته الوجدانيه في ظروفه.
لكن ماذا حصل نتيجة لذلك ؟!!!
بعد أيامٍ عَدَل الضابط عن طلب النقل، وأجّل طلبه إلى عامٍ قادم بفضل ما تحقق له من بيئة عمل مناسبة وفرص تحفيزية مواتية، وقام بجهود مضاعفة لتطوير العمل في القسم المسؤول عنه.
يومها اكتشفت أنَّ بعض ما نخسره في حياتنا، يكون بسبب التضييق على الآخرين، والتدقيق في كل صغيرة وكبيرة وعدم التغافل عن بعض الزلات البسيطة، ووجود حواجز كثيرة بين الرئيس والمرؤوس، مما يجعل الطرف الآخر أمام خيارين:
– إما أن يتهربَ مِنك، وتَخسره..
– أو يتخذك عدوًا، فيكيدُ لك، ويستغفلك، ويصبح شغلك الشاغل الذي يستنزف طاقتك، ويشل تفكيرك عما سواه.
وفي كلتا الحالتين ستكونُ خاسرًا !!
لذلك أجدُ من المناسبِ أن تختارَ اللحظةَ المناسبة، لتسمحَ للطرفِ الآخر أن يتراجَع أو ينصرف عنك بِكرامة، فبعضُ التغافل مفيدٌ جدًا…
ولن تكون منتصرًا فعليًا فيما لو كشفتَ المرء أمام نفسه وزملائه ومرؤوسيه حد التعرية، حيث لن يجد بُدًّا من المواجهة عنادًا، أو الانسحاب تكتيكًا، وكِلا الأمرين غير مقبول وغير صحي، وسيكون سببًا في مشاكل أخرى مع بقية الموظفين.
التّغافل، وغض الطرف مع قليل من التلميح هو المحفز لكثير من أرباب الأخطاء، وقليلي العطاء لانتشالهم من دائرة الاختفاء إلى دائرة الأضواء.
وتذكر أن:-
الأفضلُ دائمًا أن تفتحَ لفريق عملك طريقًا يُبْدِع فيه، ويرى نفسه ناجحًا فيحترمُك، بدل أن تُحرجه وتوبخه فيُعادِيك ..
زبدة القول :-
من الأفضل أن تكسب الجميع، ولو بنوع من التغافل الذكي والتجاوز اللائق، وغض الطرف، وذلك ليس بغباء ولا ضُعْف، بل هو منتهى الذكاء والفطنة.
دمتم بخير.
#عبدالله_بن_سالم
مستشار أمني
aboalrayeed@
صبرَ الإداري على من هم تحت قيادته وإدارته من الأفراد ، والتغافل عن بعض قصورهم الغير مقصود فيما يكلفون به من عمل أحياناً ، إذا علم صدق نواياهم وإخلاصهم في عملهم في ضوء اجتهاداتهم الفردية ، والتفاني في إنحاز أعمالهم بصدق وأمانة محفز كبير لدوران واستمرارية عجلة الإنجاز ، وإن اخطأوا فلايعنفهم ولايوبخهم على خطأٍ غير مقصود إذ لايلام المرء بعد اجتهاده فهم بشر يُخطئون ويُصيبون ، نتيجة عملهم ، فلتكن لهم فرصةً لإصلاح ذلك الخطأ ، لأن الذي لايخطئ هو الذي لايعمل.
ثم تفقده لظروفهم الشخصية وحاجاتهم الخاصة بطريقة ذكية فيما بينه وبين صاحب الظرف يزرع وداً وإخلاصاً وولاءً لاحدود له.
ذلك هو نموذج القيادي الناجح.
سعادة اللواء م. عبدالله.. حقيقة عرفتك عن قرب فوجدتك تربوياً بنكهة عسكرية منضبطاً عالي الخلق، وفي مشوارك الحافل وما سطرته جزء يكاد بل أجزم أن كان منهج حياة تثمر في صحتك وعائلتك ومن تحب، فالحياة عطاء وعطاء يتبعه وفاء ووفاء تستحقه بجدارة، ولا أجاملكم ولكنني صادقتكم وقلمكم أيضاً بنكهة وطنية بإمتياز، الحديث عن شخصكم والكرم يطول، ألحفه بمزيد دعاء لكم مع مزيج إحتراماتي..
سعاده اللواء انا من كان المقربين اليك في اثناء العمل وكنت خير ابا لي وخير مسوول اثناء ادئك العمل وانت يا سعادة اللواء خير من يثني عليك بحسن الخلق وفن التعامل مع الاخير
الأستاذ الدكتور عبدالله عيضه المالكي
الأستاذ القدير الأديب عبدالرزاق حسنين
الإبن عبدالعزيز
شكراً لإضافاتكم الجميلة ومنكم نستفيد وبكم نرتقي فجزاكم الله خير الجزاء .
نعم تشرفت با العمل معك واشهد انك منخيره القاده الذين عرفتهم. طيلت خدمتي حسن حلق. ذكاء ودين. ورجل مواقف. الحقيقه. انت تختلف كثير عن جميع من عملت معه كان ريس او قائد. لكن للقران لهو اثر في حياتك فرحم الله والدك. احسن لتربيه فحسنت العمل
الأخ صالح الوادعي جزاك الله خير على جميل الإطراء ، لكن هل لاحظت للتغافل جزء كبير من تصرفاتي ؟