كم أسعدتني الإيجابية التي أقدم عليها مدير التعليم بمكة المكرمة الأستاذ، محمد بن مهدي الحارثي بإطلاق اسم الشاعر الغنائي الكبير إبراهيم خفاجي على إحدى مدارس مكة المكرمة؛ بحضور لفيف من أصدقاء الشاعر ومحبيه وأبنائه.
ولاشك أن هذه المبادرة الجميلة هو وسام يضاف إلى العديد من الأوسمة الرفيعة التي حظي بها شاعرنا الكبير خلال مسيرة حياته الأدبية والثقافية، باعتباره واحدًا من الرموز الوطنية التي ساهمت في إثراء الحياة الأدبية بأعماله الشعرية الغنائية على مدى نصف قرن من الزمان أو أكثر، وهي أعمال لازالت ترددها الأجيال حتى اليوم وسترددها في المستقبل.
ولعل من نافلة القول بأن نشير هنا إلى أن الأستاذ/ الخفاجي -رحمه الله- تعالى هو واحد من جيل الرواد الذين صنعوا مسيرة جديدة للشعرالغنائي في بلادنا منذ الستينيات الهجرية، ومازلنا نعيش في ظلالها في المجال الأدبي، وهو من أبناء مكة المكرمة الذين تربوا على ثقافة مفتوحة متنوعة في وقت كان الأدب والثقافة والفن عملًا جادًا وإخلاصًا شخصيًا.
والأستاذ/ إبراهيم خفاجي هو خريج مدرسة الفلاح، ذلك الصرح العلمي الكبير الذي أسسها الشيخ/ محمد علي زينل -رحمه الله-؛ ليكون مركز إشعاع حضاري وثقافي وتربوي؛ حيث ساهمت مدارس الفلاح العريقة من خلال مناهجها الدراسية وعنايتها الفائقة برعاية المواهب الأدبية والعلمية، وعقد الندوات الفكرية وتنظيم المسابقات الثقافية من تخريج كوكبة لامعة من جيل الرواد الذين حملوا عبء البداية، ورسم الطريق لمن جاء بعدهم في الأدب، والثقافة، والعلوم الإنسانية، والاجتماعية.
وإذا كان لمدرسة الفلاح دورها في تكوين البدايات الأولى الأدبية لدى الأستاذ/ إبراهيم خفاجي وسواه ممن من تخرجوا قبله أو بعده إلا أن التثقيف الذاتي الدؤوب ساهم بدوره في إعداده وتهيئته؛ ليكون شاعرًا غنائيًا بارزًا وذلك من خلال انكبابه على القراءة والاطلاع على مختلف فنون الشعر والأدب العربي قديمه وحديثه. ولاشك لدينا أنه توجه ببوصلته الشعرية منذ البداية نحو المدرسة الرومانسية في الشعر محتذيًا حذو أقرانه من شعراء جيل الرواد، وفي المقدمة منهم طاهر زمخشري، ومحمد حسن فقي، وحسين سرحان، وحسن عبدالله قرشي، وعبدالله الفيصل، وغيرهم من الشعراء السعوديين الذين تباينت أعمارهم، وتوحدت مشاربهم واتجاهاتهم الأدبية والثقافية والذين وجدوا في الشعر الرومانسي نافذة واسعة يعبرون من خلالها عن بوح مشاعرهم وأحاسيسهم وعواطفهم الجياشة.
وكما هو معروف فإن المدرسة الرومانسية في الشعر سادت العالم العربي بأسره خلال القرن الماضي، وقد رفع لواء هذه المدرسة في مصر جماعة أبولو التي ساهمت بدور كبير في تطوير الشعر العربي الحديث، وربطه بالوجدان الإنساني، وأصبح لها طابعها المميز ممثلًا في طائفة من الشعراء الشباب الذين عرفوا خلال ذلك الوقت بأصحاب الاتجاه الرومانسي الغنائي في الشعر، وكان من بينهم الشعراء أحمد أبو شادي، وعلي محمود طه، والهمشري، وحسن كامل الصيرفي، وأحمد رامي، وصالح جودت، والعديد منهم. وكان يرأسها أمير الشعراء أحمد شوقي، وفي المقابل كان شعراء المهجر يؤسسون لأنفسهم مدرسة شعرية منافسة قوية، ومن أبرز شعرائها إيليا أبو ماضي وجبران، ونسيب عريضة، وفوزي المعلوف، وساهم الكثير والكثير منهم.
وهكذا شق شاعرنا الكبير لنفسه طريقًا في عالم الشعر الغنائي، شعرًا ينبض بالوجدانية ويجنح بالفرح، ويستدعي الطبيعة في مجاليها ومعانيها، وينسج بالصورة الحية والكلام العذب مايعبر به عن مكنون عواطفه الإنسانية وأحاسيسه ومشاعره.
وعقب تخرجه من مدرسة الفلاح بمكة المكرمة تنقل الأستاذ/ الخفاجي -رحمه الله- تعالى في الكثير من الأعمال، لكنه ظل طوال حياته مخلصًا لموهبته الأدبية، كما أخلص لكتابة الشعرالغنائي الذي يكشف عن مذاق شعري فريد خاص وتجربة غنية وثرية.
وبعد فهذه تحية لشاعرنا الكبير الذي يستحق شعره الغنائي من محبيه ودارسي الأدب السعودي لفتة جادة لدراسته، وجمع ماترك من آثار شعريه رائعة.