بسم الله الرحمن الرحيم الذي اتخذ تسعا و تسعين اسما تصف تفرده سبحانه بعالي الصفات و كامل التنزه عن كل نقيصة..
تمثل هذه الأسماء، برهانا آخر على عبقرية اللغة العربية و تفردها بمفردات و صفات تصل ذروة شرفها حين تصف المولى سبحانه..
و الصلاة و السلام على النبي العربي المنحدر من شرف السلالة العربية الهاشمية الناطقة بالعربية والبارعة بفنونها..
أما بعد..
فهذه ديباجة مألوفة لبدء، الخطاب و المقال و حتى هذه الديباجة دليل ساطع على زخم هذه اللغة و دقة توظيف معانيها، فتوجيه انتباه القاريء لما يأتي بعد التقديم إنما هو تفوق تمتاز به الخطابة العربية و المقال العربي الأصيل..
و مايأتي بعد في مقالنا هذا إنما هو شأن ذو شجون.. كمن سار في درب حالكة ثم هوت به قدماه في درك سحيق يرجو صعودا فلا يجد سبيلا و يروم خروجا فيجد الباب حلما مستحيلا..
هكذا حال لساننا العربي اليوم.. بعد قرون من ازدهار و أعوام من إبداع و انتشار إلى أن طغى الحال و استبد و صار الغرب مسيطرا على الحرف والقصد.. ملأ العرب بشعرهم و نثرهم الدنيا و شغلوا الناس، وأضحت العربية لقرون لغة الدين والكتاب العزيز الذي زين اللغة العربية بكلام الله فكلام الله نزل بلسان عربي مبين.. بل كانت لغة العلم أيضا.. فكانت العربية هي المحيط الزاخر بأطياف الحياة.. ثراء يتعدى رقعة الماء على الكوكب الأزرق كأنما وصل الأرض بالسماء، زرقة وصفاء.. اختارها المولى لكتابه المعجز لأنها تحمل ذات الصفة فهي الوعاء اللغوي الوحيد الذي يستوعب إعجاز اللفظ و تفرد المعنى القرآني الجليل..
هجر المسلمون عبر الأزمان هذا الوعاء وصاروا ينوعون في أوعية أقل قيمة و أضعف شأنا… وفعل الاستعمار فعلته التي فعل فقام بتهميش العربية وفرض لغة المستعمر فاعوجت الألسنة و ظهر اللحن.. و تراجع استعمار المكان و بدأ استعمار الفكر و الأذهان فصارت العلية ترى العربية تخلفا و الإنجليزية تفوقا.. حتى فتحت يأجوج و مأجوج التقنية و تدفق طوفان الإنترنت الذي وكما سهل و يسر وأوصل وقرب عاث في الأرض فسادا و غرب..
صارت العربية دليل زمن ولى وغابر عهد لايريده كثيرون خاصة الناشئون و الناشئات.. و وصل الحال إلى تخصيص يوم للاحتفالية باللغة العربية و في رأيي هناك عدد من نقاط يمكن إيرادها لإحياء العربية و إن كنت لا أحب لفظ إحياء حيث أن العربية لن تموت و لن تطالها يد الفناء فهي محفوظة بحفظ القرآن..
و لكن متحدثوها هم من فرطوا و يحتاجون العلاج و التسديد.. و ذلك عبر مايلي :
*استنفار عام يشمل قطاعات المجتمع يهز التعليم و مناهجه فيستحي أن يهمل لغة القرآن فيفعل مناهج علوم القرآن و الحديث و اللغة و فنونها حتى لا نفقدها رويدا رويدا..
* إعلان حالة الطواريء، في الأمة العربية المسلمة.. حالة تنشر الوعي في البيوت و الأسر.. بث الوعي لتكثيف زيارة المكتبات للأبناء، و قراءة عيون الشعر و النثر و مناقشة المحتوى وغرس معالم الفخر باللغة والانتماء إليها..
*أن يدخل الاهتمام بالعربية نطاقات عدة تهم جيل الشباب مثل فعاليات هيئة الترفيه و وزارة الثقافة ونتاج العمل الإعلامي و الفني..ويجب أن يصرف المال لإقامة متاحف تذهل العين و تقيد الوجدان بمحبة اللغة العربية من جديد..
*لا أدل على إهمال أمر من تخصيص يوم فقط في العام لاحيائه.. فالحي لا يخصص له يوم و يترك باقي الأيام.. لهذا انصح بتفعيل اهتمام ٣٦٣ يوما في العام بلغة القرآن.. حتى تنجح فعالية يوم لابد من تكريس العمل في سائر الأيام الأخرى.. تهب خلالها الوزارات و الهيئات و الخطط لأن تقام فعاليات و ترسم آليات لتنطق الطرقات بالعربية و تنشد المدارس بالعربية و تتشدق المراهقات بالعربية و تترجم العلوم للعربية وتفاخر الناس بالعربية و يزدهي حقل الشعر كما حقل النثر بمسابقات عامة ودورات مجانية و خدمات تثقيفية للعربية لكل أسرة و لكل مواطن و يصرف القطاع الخاص مالا على إقامة ما اسميه “القرية العربية” على غرار القرية العالمية فيها كل ما يحتاجه الزائر للتعرف على لغته ومحبتها.. بأساليب جذابة و طرق فاتنة.. بعيدا عن الجمود الذي ارتبط في أذهان الجيل الجديد بالعربية و فنونها..
المسألة ضخمة و شاقة و نحتاج لخطة خمسينية لاخمسية لنشر حب و إجادة العربية من جديد.. و يرصد لازدهار العربية جزء من رؤية ٢٠٣٠ فضياع لغة القرآن ضياع لاتباع الدين و بعد عن مصادره..
العربية أمانة في أعناق من يرتلون القرآن بمكنونها.. فالعناية بها واجب لاترف.. خاصة في ظل فقدان الناس للغة الكلام للتواصل و استبدال ذلك بالعالم الافتراضي الرقمي العجيب..
العربية نحن.. و إن فقدناها فقدنا بطاقة التعريف و صرنا رقما مجهولا فاقدا للهوية…