المقالات

كيف تكون الفوضى “خلّاقة؟!”

ظهر مصطلح الفوضى الخلّاقة لأول مرة في عام 1902م على يد مؤرخ أمريكي يدعى ألفريد ثاير ماهان، وهو مصطلح سياسي عقدي، ومعناه إيجاد حالة من الفوضى المتعمّدة من أجل إحداث تغيير إيجابي في مكان ما لصالح أشخاص أو مؤسسات من دون الإفصاح عن هوياتهم، ويمكن أن يكون لهذا التغيير آثارًا إيجابية على حالات إنسانية أيضًا.

في بادئ الأمر لم أستوعب ما تعنيه كلمة (الفوضى الخلّاقة) التي برزت في فضائنا العربي والّذي كان يُقِلُّ سحبًا مُثقلة بالدمار وعلى وجه التحديد في أثناء الحرب على العراق الحبيب، ولم أصدق كيف يكون لنا في فوضى يصنعها الغرب فينا خيرًا وبناءً، ولكن بحسب طبيعة عملي كربة منزل حاولت أن أجرّب كيف يمكن للفوضى أن تبدع، ولأنّ مسؤوليتي كأمّ تحثني على ابتكار ما يدخل السرور على عائلتي خصوصًا فيما يتعلق بالأطعمة وطرق تقديمها؛ لذا حاولت البحث في هذه الحدود عمّا يسهل عليّ فهم هذا المصطلح المركب من نقيضين، وبعد تأمل رأيت أنّ السلطة التي لا تخلو منها أي مائدة ما هي إلّا كونها نموذجًا للفوضى الخلّاقة، حيث إنّها نتجت من تجميع مكوناتها المتناثرة داخل الثلاجة والتي ليس بينها روابط منطقية -على الأقل في فهمي المحدود- لصنع طبق لذيذ ومفيد جدًا.

ولما تعمقّت في التأمل وجدت أشياء أخرى كثيرة ومفيدة أصنعها من عناصر متناثرة ليس بينها أي رابط، فطبق حلوى مثلًا يتكون من حفنة من دقيق مخبوز يعلوه خطوط من الشيكولاتة مُرّرت بشكل عشوائي، ووضعت في وسطه حبات من الفاكهة حسب المتوفر.

وقِستُ على ذلك وصفات العناية بالبشرة، فدعاة الرجوع إلى الطبيعة يتسابقون في نشر وصفات أساسها قشور وبقايا الخضراوات والفاكهة غير الصالحة للأكل الآدمي، فإن وضعت قشور البصل والخيار والكوسا والقرع مثلاً في الخلاط، وأضيف إليها قليل من العسل ولا يشترط أن يكون طبيعيا فالناتج قناع للوجه هو الأفضل من كلّ ما تنتجه المصانع العالمية للتجميل!

كذلك هي مغذيات الشعر، والنباتات المنزلية والأمثلة كثيرة ولا حصر لها.

وكنت في كل مرة أقوم بعمل من هذا النوع أقارن أهدافي وما حصلت عليه من نتائج بتلك  التي سعت إليها الوزيرة الأمريكية السابقة كونداليزا رايز بالاشتراك مع وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس عندما تبنّت مفهوم الفوضى الخلّاقة في 2005م، والذي صمّم للدول العربية والإسلامية تحديدا، وهو مفهوم ينطلق من نظرية إشاعة أعلى درجات الفوضى في المجتمع المستهدف  من عنف وتقتيل واضطهاد؛ مما يخلق إمكانية إعادة بنائه بهوية جديدة، فسبحت في خيالي وإذا بي في العراق، ورأيت هولاكو جاثيًا في مدخل بغداد يذرف دموعاً، وصلاح الدين تناثرت أشلاؤه في الشمال، أما الجنوب فقد صار مرتعًا للغربان.

ولمّا كنت قد عزمت على مواصلة السير إلى سوريا فقد اكتفيت بالعراق وقفلت راجعة، وفي ذاكرتي مآسي لن تنمحي مهما طال الزمن وتعاقبت أجيال وأجيال.

فهمت حينئذ أن ليس ثمّة تناقض في المصطلح الغربي؛ لأنّ الفوضى التي افتُعلت فينا كانت لتدميرنا من أجل إطالة بقاء مصاصي الدماء.

لكن القدر لن يرحم ظالمًا، “وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون”.

Related Articles

3 Comments

  1. مقال يلامس المشاعر ليته لم ينتهي مليئ بمشاعر جياشه بين السطور

  2. السلطة واستخدام منتجات طبيعيه لتحسين صحة الانسان ليست فوضى في ذاتها،فمكوناتها صحية اصلا،وهذه تتناقض مع مكونات الفوضى الخلاقة السياسية فمكوناتها الحقد والظلم والاستبداد والتعالي.
    مقال في مجمله جميل

  3. مقال جميل.. بارك الله في قلمك وفكرك المتسائل والممتزج بالمشاعر للآخرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button