خيانة الوطن ليست محصورة فقط في الجزء السياسي (جاسوس وعميل)، بل هو مفهوم أكبر يشمل كل عمل يؤدي للإساءة للوطن ويلحق الضرر به.
في الفترات الأخيرة انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع الحملات الأمنية التفتيشية على مستودعات البضائع المغشوشة، والتي أظهرت لنا كم كنا (ولازلنا) وسط بحر من البضائع المقلدة الضارة، وما كنا لنصدق حجم ذلك الفساد والغش لولا أن تلك المقاطع مرئية وليست صورية.
في هذا المقال، لن ألقي باللوم فقط على (العمالة الوافدة)، ولن أصفهم (بمفردهم) بالخونة عديمي الضمير الباحثين عن المال على حساب صحة (سكان المملكة)، فالعمالة لم تتجرأ إلا لما لمست تأثير المال والاستعداد للخيانة لدى (بعض) المواطنين المجرمين.
(العمالة الوافدة) هي الحلقة الظاهرة من ضمن سلسلة كبيرة تستر خلفها (مواطنين غير شرفاء). في عالم تجارة المخدرات، يسعى منسوبو المكافحة للوصول للكبار منهم؛ لأنهم رأس الأفعى الذي يجب قطعه حتى يزول الخطر.
وهذه الحملات لن تحقق التطهير المتوقع منها إلا بعد الإطاحة بمن يقف في الظل. وعلينا أن نتعلم من دروس الدول الشقيقة وما آل إليه حالها (من فساد إداري متغلغل في مفاصل الدولة) حين تغاضت عن المفسدين الذين كونوا ثروات مليونية من وراء فسادهم.
السؤال البديهي الذي يتبادر في ذهن كل مواطن هو أين (مراقبي البلديات، والتجارة، والعمل، والصناعة، وهيئة الغذاء، والدواء والجمارك، وغيرهم من أهل الاختصاص) عن هذا الكم الكبير من البضائع، وكيف وصل للأسواق المحلية؟ لم تهبط تلك البضائع من السماء ولم تنبت في الأراضي السعودية، بل دخل بعضها عبر الحدود، وبعضها الآخر جاءت معدات تصنيعه من الخارج، ألا توجد شبهة رشاوى (للبعض منهم) و لا أعمم فهناك شرفاء بينهم وما أكثرهم.
أين أصحاب المؤسسات الذين تستروا على تلك العمالة؟ أين أصحاب العقارات التي تم استخدامها كمعامل ومستودعات لتلك العصابات؟ (بعضهم) قبض المبالغ الطائلة مقابل صمته عن النشاطات المشبوهة.
رأينا معامل ومعدات مستوردة تم استخدامها لخلط المواد الكيميائية وتعديل خواص بعض المنتجات وصناعة بعضها بتقليد متقن، فهل تم استيراد المعامل والمعدات بدون تصريح؟ فمن هو صاحب التصريح؟ لماذا لم تتابع الوزارات المعنية مواقع تجميع تلك المعامل؟ أين تم تركيبها وتشغيلها؟ ما هي منتجات تلك المعامل وهل تم حصر الإنتاج وترقيمه؟ وهل حصل على كافة الرخص اللازمة للتسويق؟ من هم المسوقون؟ ما هي نقاط البيع؟
هؤلاء الخونة المتسترون (المتقاعسون عن أداء مهامهم) هم أشد خطرًا من تجار المخدرات على المجتمع. (تجار المخدرات) يعرف الجميع بضاعتهم وخطرها، ولايذهب إليهم إلا من يعلم أنه يشتري السم لكنه فاقد الأهلية ولايميز بين ما يضره ولا ينفعه، إنما (المتسترون) ومن يدعمهم يبيعون (كل شيء) مستغلين المواطنين البسطاء!
عصابات التستر عاثوا فسادًا في صناعة الأغذية، حولوا أدوات النظافة إلى سموم بطيئة لا يظهر أثرها إلا فيما بعد، جعلوا لوازم المنزل(مخدات وأغطية نوم ووو ) منبتا للحشرات وبيئة للأمراض، فهل بعد كل هذا نلوم العمالة (الوافدة) فقط؟
نحن في عهد الحزم والعزم، وإذا أردنا أن نحارب الفساد فيجب أن يحقق مع العمالة الوافدة للكشف عن السلسلة الخفية من عصابات التستر ومن ثم التشهير بهم، أما الصمت عنهم، ومعاقبة الوافدين فقط، فكأننا نعطي المجتمع مخدرًا لينسى الألم بعض الوقت، ونعطي البكتيريا (خونة الوطن) فرصة للتكاثر بأسلوب جديد.