قبل انطلاق قناة SBC للفضائية، انطلقت حملة تسويقية، حملت مصطلح (غصب)، وهي كما يقال تعني (رغمًا عنك)، وكان الاعتقاد حينها أننا سنتابع قناة تلفزيونية قادرة على الجمع بين الحدث والثقافة والفن والترفيه بأسلوب لم نشهده من قبل، خاصة وأنها جاءت بعد إلغاء القناة الثانية السعودية، وقناة الأطفال، والقناة الثقافية، والقناة الاقتصادية، التي تبث كل منها برامج متخصصة تتوافق وطبيعة المجتمع السعودي وعاداته وتقاليده.
وكانت القناة الثانية التي انطلقت عام 1983م تبث باللغة الإنجليزية، وموجهة للمقيمين بالمملكة، ووفقًا لموقع ويكيبيديا، فإن القناة الثانية السعودية، إضافة لنقلها مباريات الدوري السعودي بمساندة القناة السعودية، كانت القناة رائدة في بث برامج ومسلسلات الأطفال التي جذبت الكثير من الأطفال لمشاهدتها، وقامت بتقديم خدمة عظيمة في الحج، وهي نقل مناسك الحج إلى جميع أنحاء العالم سواء داخل المملكة أو خارجها وإجراء لقاءات وحوارات، واستضافة مشايخ دين للتعريف بالإسلام وكل هذا باللغة الإنجليزية، غير أنها توقفت عن البث عام 2017.
أما قناة أجيال التي خصصت للأطفال كقناة سعودية تجمع بين التربية والترفيه، منحت أطفالنا الثقافة وكنا نراهم يتابعون برامجها بشكل جيد سواء كانت رسومًا متحركًا أو برامج مسابقات.
وكانت القناة الثقافية واحدة من أقوى وأفضل القنوات الثقافية على مستوى العالم العربي، لكونها لم تحصر برامجها على نطاق تقليدي واحد، بل عملت على بث برامج متخصصة في المجالات الثقافية والفنية، وكانت لها متابعات مميزة للأنشطة الثقافية والفنية في المملكة وخارجها، سواء بالأندية الأدبية أو جمعيات الثقافة والفنون أو الملحقيات الثقافية السعودية، وبرز دورها في متابعة أنشطة المثقفين والفنانين السعوديين خارجيًا، واستطاعت إبراز أعمال العديد من الأدباء والمفكرين السعوديين سواء الأحياء منهم أو المتوفين، وروت قصص معاناتهم.
كما ساهمت بشكل فاعل في موسم الحج، فكانت لها برامجها المميزة التي تستضيف من خلالها الأدباء والمفكرين من داخل المملكة وخارجها، ليرون في لقاءاتهم مشاهداتهم وقصصه عن الحج بين الماضي والحاضر، ولعبت دورًا قويًا في إبراز جهود المملكة في خدمة الحجيج.
وكان للقناة الاقتصادية دورها المميز في إبراز النشاط الاقتصادي بالمملكة ومقارنته بالأسواق العربية والعالمية، وبرز عبرها المحللون السعوديون يوضحون مؤشرات الأسواق، فنشروا بتحليلهم ثقافة استفاد منها المشاهدون العرب عامة والسعوديون خاصة.
وحينما ظهرت قناة SBC في شهر مايو 2018، اعتقد الكثيرون أنها ستكون القناة الجامعة لكل تلك الملغاة، وأننا سنشاهد قناة تلفزيونية سعودية مميزة، لكن ما حدث جاء مغايرًا للتوقعات، فقناة SBC جاءت صورة كربونية مقلدة لقناة mbc، في الكثير من برامجها، كبرنامج “نجم السعودية”، و”رحال”، و”جوائز السعودية “، وغيرها ولم تنجح القناة رغم حصولها على الحقوق الحصرية لمسلسل “عوالم خفية” بطولة عادل إمام، على جذب إعلانات تتوافق واسم البطل وجماهيره، في حين لو أن هذا المسلسل عرض بقناة mbc، أو غيرها من القنوات، لرأينا كمية الإعلانات المصاحبة للمسلسل.
وخلاصة القول إن التلفزيون السعودي رغم كل الإمكانيات التي وفرت له، فقد حصر نشاطه على برامج مكررة دون أي تطوير يذكر، وعمل على تعطيل الكوادر السعودية المؤهلة بمحطات ومركز التلفزيون داخل المملكة، في حين برزت عملية استقطاب الكوادر غير السعودية خاصة التي كانت تعمل بالصحف الورقية، ومنحها فرص العمل، واختفت السعودة، وأصبح الشعار الجديد للتلفزيون “لا للسعودة”.
أما التلفزيون السعودي، فلم نعد نشاهده لا في تقارير الفعاليات والأنشطة المقامة ولا في غيرها، وغاب إبداع المذيع والمخرج والمصور السعودي في محطات ومراكز التلفزيون الداخلية، بعد أن أصبح مجرد موظف ملزم بالحضور والانصراف في ساعات الدوام.
وكما غاب أولئك الأشخاص، غابت أيضًا البرامج الحوارية الهادفة التي توضح الحقائق وتبرز الدلائل، ولم نعد نشاهد هذا.
فأين هو التطور الذي يدعيه رئيس هيئة الاذاعة والتلفزيون ؟
إن الأمل في معالي وزير الإعلام بالعمل على إعادة القنوات الملغاة وإعادة تفعيل دور محطات ومراكز التلفزيون الداخلية، وإيجاد برامج حوارية قادرة على مواكبة الأحداث السياسية والرياضية والثقافية والاجتماعية، فمن الخطأ أن نهدم ما بناه السابقون، وأن نحصر تطور التلفزيون في تقليد الآخرين.