رؤية ناصر بن محمد العمري
*حليم الفَرَجي* قاصة تكتب بأدوات مختلفة، لها نتاج قصصي وروائي منشور من أبرزه رواية (الباب).
تمتلك (حليم) قدرة خاصة، تمكنها من الولوج إلى مناطق غير مطروقة.. فتعمل فيها أزميلها الخاص؛ لتنتج من هذا الحفر قمحا سائغ اللذة..
في قصة القمح تقرأ الفارق بين الشعر والنثر من حيث الاهتمامات؛ ففي حين يذهب الشعر في الغالب نحو تمجيد الحرب، وتأكيد قيمها،
ومدح جبابرتها
متباهيا بأثرها التدميري.. وما تركته في العدو من خسائر
في تلك الأثناء يخاتل السرد الحرب غالبًا، فيذهب نحو تصوير أهوال الحرب وحجم الألم الذي تتركه في النفوس؛
متجليا كأدب إنساني بامتياز، كون مقصد السرد النهائي يبقى الرفع من قيمة وشأن الفرد بتزكية القيم العليا في النفوس (السلم، المحبة،…)؛ لذا يوصف السردب (فن الدفاع عن الحياة).
في( قمح) محاولة جادة، للولوج إلى تناقضات الحرب الفظيعة؛
حيث تحمل الحرب لغة مفهومة للسياسة التي تسعى إلى إيجاد تصنيفات فعلية، وتجميد الهويات في تعريفات محددة،
وتحت علم محدد،
والتصنيف للناس
في كيان موحد ضرورة قصوى للسياسة؛ حتى تكون قادرة على الوفاء بمتطلباتها
فتعزل بسهولة العدو، والمناهض عن المواطن الحقيقي
وبوصفنا بشرمرنين واجتماعيين (ليس ثمة تصنيفات اوحدود قارة أو تناه)، كما يصف هذه المفارقة ألبرتو مانغويل في (مدينة الكلمات) مقررًا أن الهويات تميل نحو استحالة التسمية بدقة، وهو ماتتماهى معه قمح (لم أكن أعي حينها ماهو الوطن، فالبسطاء
أمثالنا لايتعدى وطنهم سقف الحجرة التي ينامون فيها)
وسط توق دائم يعيشه البسطاء، ويتعاظم بأن يأتي اليوم الذي تذهب فيه الحرب بعيدًا حاملة معها الجوع والبرد والشر.
لعبة المفارقة في القصة حاضرة بكثافة؛ فجنود العدو هم من يقدمون السكر والطعام
لأهل القرية، وهم في اللحظة ذاتها من يزرع الألغام في طريقهم؛ لتختلط في تلك اللحظة الفارقة حتى المعاني المستقرة.
فالكرام النبلاء هم نفسهم القتلة بلا رحمة، وتحضر براءة الإنسان البسيط الذي يصطلي بنيران الحرب في قمح تتجلى غرابة الأقدار ومنطقها غير المتوقع دوما، فالمحارب ينجو من الموت وإن بنصف روح وجسد فيما الطفلة النحيلة فاطمة تمزقها الحرب أشلاء، وحين يحدث هذا الموت القاسي جدًا لفاطمة في لحظة الفرح بعودة المحاربين،
تكون اللحظة مليئة بالتراجيديا، وتتشظى المشاعر، وتختلط الأشياء ويعيش البشر معنى التوق دون التوصل
التشييد دون التسلق
لتبقى الحرب( عدو الفرح الكامل)
الممتد الذي يستمر أثره المؤذي
الجاني الذي يطارد ضحاياه دون كلل حتى بعد أن ينحسر شبحه
يحضر حاملا معه الدمار
المفارقات في ( قمح) ربما تعبر عن قدرة حليم الفرجي على امتلاك حلول سردية جيدة
ففي حين تتخذ القصة من أحد أهم مقومات الحياة (القمح) عنوانا لها تأتي تفاصيلها
لتتحدث عن أهم أسباب الدمار والموت في هذا الكون
(الحرب) بلغة لاتنقصها الرشاقة ولا الأقناع
وبجبكة مشدودة ومتماسكة