في المقال السابق تمت الإشارة إلى أن رهف حالة قد يستتبعها حالات مماثلة، ولأننا لا نستطيع منع هذه الحوادث من التكرار، لكننا نستطيع التقليل منها وتجنب تأثيراتها على الصعيد الأسري، والإعلامي والدولي، وهذه المرتكزات الثلاث هي الأساس التي يجب الانطلاق منها، والتعامل من خلالها ومراجعة سلوكنا وثقافتنا وأنظمتنا.
فالأسرة هي المحضن الأول، وبها يتلقى الطفل تنشئته الأولى، التي يواجه بها المستقبل وتحدد هذه التنشئة طريق تعامل وتفكير هذا الطفل في حياته، ومدى تمتعه بالرضا النفسي عن ذاته ومحيطه الذي يتعامل معه، فمرور الطفل بخبرة قاسية في مراحل نموه الأولى تؤدي إلى التأثير بشكل مباشر على السلامة النفسية لهذا الطفل، واتجاه تكوين الشخصية لديه مما يجعل من الصعب التكهن كيف سيكون مستقبله، وقد حدد علماء النفس والمربون، بعض الخطوات التي يجب على الوالدين اتّباعها في تعاملهما مع طفلهما، ولكن القليل من الآباء يعرفها، ومن يعرفها قد لا يطبقها ولا يعمل، بها أو يستفيد منها رغم توافر الأبوين على حظ كبير من التعليم، لكنهما يحاولان تربية أولادهما بالطريقة التي تمت تنشئتهما عليها غالبًا، غير مدركين أن “أولادهما خلقوا لزمان غير زمان آبائهم” وهذه ربما تحدث الفجوة والجفوة بين الأبناء وأسرهم، وخاصة عندما يقارنون حياتهم بحيات أقرانهم وفي ظل انفتاح إعلامي غير مسبوق تجاوز الحدود والسيادة الأسرية، وأصبح الابن من غرفته قادرًا على التواصل مع من يشاء وفي أي مكان وبخصوصية تامة بضغطة زر من جهازه دون أن يكون بينهما سابق معرفة!! وهو ما سهل اختطافهم فكريًا ومسخ هويتهم، وتجنيدهم من قبل مجهولين دون أن يستشعر الأبناء هذا الخطر والشرك الذي سقطوا فيه دونما وعي منهم.
وهذا يستلزم إعادة النظر في تربية الأبناء، وطريقة التعامل معهم، وفتح قنوات الحوار وأن يكون الأبوين أكثر قربًا من أبنائهما والحديث معهم، والسماع لهم والصبر عليهم وإن كبروا فمصاحبتهم وصداقتهم أصبحت ضرورة لا ترفًا.
وإعلاميًا ينبغي على الإعلام الوطني العمل بطريقة غير تقليدية في التعامل مع مثل هذه القضايا، التي تتطلب الحكمة في معالجتها إعلاميًا، وخصوصًا أن هناك من يرصد إعلامنا ويلتقط منه ما يدين به بلدنا ومجتمعنا وقيمنا، وهذا يتطلب أن نفرق بين ما يقال إعلاميًا، وما يقال من خلف حجاب، واستيعاب المرحلة والمتغيرات الدولية والحملات الإعلامية المغرضة، مع إبراز الحالة المعيشية للفتيات الهاربات في أوطان عربية أو غربية، وبيان لماذا الأبواب مفتوحة، والعقبات مذللة أمام كل من يحمل الجنسية السعودية، والاحتفاء به دون سواه من الجنسيات، مع ذكر الشواهد والحالات المتعددة والتي حاجتها للاحتواء أضعاف حاجة السعوديين من الجنسين.
وأما على الجانب الرسمي، فيجب عدم الخوض والانجراف خلف التيارات السياسية والإعلامية والحقوقية المؤدلجة والمسيسة والمتمرسة على السباحة في مستنقع آسن لا نستطيع السباحة فيه، ويجب أن يقتصر ردنا الرسمي على هذه النقاط:
1. قضية رهف وما شابهها قضية تخصها هي وأسرتها فقط، ولا دخل للدولة فيها من قريب أو بعيد.
2. الدولة لا تتدخل فيما تختاره الفتاة لنفسها.
3. الدولة تساند أسرتها معنويًا.
4. التشديد على وجود أنظمة الحماية الأسرية وتطبيقها.
5. دراسة هذه الحالات دراسة متعمقة للوقوف على أسبابها الحقيقية، وإيجاد الحلول المناسبة الجذرية لها قبل أن تتحول إلى ظاهرة، ووسيلة أخرى لاستهداف السعودية.
ومع ما سبق يغلب على ظني أن حالة الهروب ليست بسبب التعنيف، بل قد يكون التعنيف ذريعة ويصبح سببًا ثانويًا، أو وهميًا للحصول على حرية بلا قيود تتوق إليها نفوس الكثير من المراهقين، فالمشكلة تتلخص بكونها ثقافة اجتماعية ليس لها علاقة بالعنف ولا حتى بالولاية، ما نحتاجه في نظري، ليس مزيدًا من القوانين، بل “بناء وتأسيس وعي مجتمعي عميق” تسخر له كل أدوات الفعل الإقناعي في عملية تحول شاملة نحو الإيمان العميق بأنهن أحرار، وأنهن شقائق الرجال، عاقلات، بالغات، مكلفات، فالقوانين .. تحل “الحالات” الشاذة، لكنها لا تغير الثقافة المأزومة، وهذا ما عبرت عنه رهف في المؤتمر الصحفي.. “أن السعوديات كلهم مقموعات إلا من يتمتعن بأبوين متفهمين”، وإلا سنبقى نلعن كل فتاة طفح بها الكيل في خدرها، أو تم التغرير بها وليس حولها إلا وسائل تواصل يقف خلفها قناصون متمرسون ينتظرون مثل هذه الفرصة ومريدون فساق لاختراقها واختراقنا.
مقال رائع حبذا لوكان العنوان بعض فتايتنا مما يهربن . نريد العلاج عمل دراسه اجتماعيه من قبل المختصين عن اسباب هذه الظاهرة ورفعها للمسؤلين لنظر ببالغ الاهميه.