شهدت الأوقاف في الحقبة الأخيرة من الزمن، اهتمامًا واسعًا، ونموًا متزايدًا، مما أدى إلى انتشارها، وتنوع مجالاتها، وتوهج إسهاماتها، في خدمة المجتمع، دينيًا، واجتماعيًا، وتنمويًا، وصحيًا، وعلميًا. وبموازاة ذلك نستشعر أهمية إعادة النظر في هيكلة الأوقاف، وتطوير أساليب، وأطر التعاطي معها بنماذج حديثة مقننة، تتسق مع تحقيق المقاصد الشرعية، والخيرية، والاجتماعية، والتنموية، ومضاعفة العوائد المالية في آن واحد..
هنا تبرز الأهمية العميقة للنظرة المتوازنة، واستشراف آفاق المستقبل، عند تأسيس الأوقاف، لتشمل المسارات كافة؛ بحيث يكون التعاطي متمحورًا بين استثمار أموالها، وتعظيم الربح، والانتفاع، وبين تحقيق الأهداف الاجتماعية، والإنسانية، والخيرية، والاقتصادية والتنموية، التي يستهدفها كل وقف، وفقًا لمتطلبات العصر.
كما تلوح في الأفق أهمية التأصيل العلمي لتنمية الأوقاف، من خلال عكوف الأكاديميين، والمختصين، وبيوت الخبرة ومراكز الاستشارات، على طاولة البحث، والدراسة، والنقاش المستفيض؛ لإعداد الدراسات المتخصصة، والبحوث العلمية المؤصلة، والطروحات العميقة، وبناء مسارات المهارات العملية، والتطبيقات النوعية، لتطوير الأوقاف وتنميتها، واستثمارها، في إطار منظور علمي رصين، وعمق عملي إبداعي، يدرك الأبعاد الاقتصادية والتنموية لها، ويعزز دورها بما يتوافق مع العصر، ومعطياته وأدواته، وإمكاناته، ويوفر مقومات النمو، والربحية، والازدهار، والاستقرار، والأمان لها.
في هذا الاتجاه، تبرز الأهمية لإيجاد أنماط وأساليب وصيغ وأدوات التمويل الحديثة لتنمية الأوقاف؛ فالعصر يحتم خلق حواضن استثمارية مميزة، بأدوات تمويل حديثة، تعزز من قدرات الأوقاف، وتضاعف من مداخيله المالية، وتضاعف في الآن ذاته قدراته على مواجهة التحديات، وتحقيق الأرباح والنمو، وضمان الاستمرار.
في هذا المحور نرى ضرورة تكريس التفكير للاستفادة من الأدوات، والأنماط والصيغ الاستثمارية التالية، والتي يجيء في طليعتها: الصندوق النقدي لتنمية الأوقاف، وهو من الصيغ الحديثة التي تسهم في توسيع دائرة المشاركين في تأسيس الأوقاف وتمويلها، وتحقيق عوائد مالية جيدة، من خلال التعاون المشترك بين الواقفين في هذا المجال الرحب.
في السياق ذاته، نرى حتمية تأسيس مصارف للأوقاف، تعنى باستثمار أمواله، وتنميتها من خلال قنوات البنوك والمصارف الإسلامية، لتشكل وعاءً استثماريًا، يحقق عوائد الأرباح في إطار ما يشرطه الواقف.
وبكل تأكيد فإن من شأن ذلك أن يسهم في تنويع مصادر دخل الأوقاف، وتوسيع نشاطها، ومضاعفة إسهاماتها في تنمية اقتصاد الوطن، ورفد العمل الخيري والاجتماعي بمداخيل مالية جيدة.
من الصيغ الحديثة لاستثمارات الأوقاف التي طرحها الباحثون، المشاركة في الإنتاج، وأسهم التحكير. وهي من الأدوات والصيغ الاستثمارية العصرية التي ستسهم في إحداث وثبة نوعية في مسار الأوقاف، ووضعها ضمن تنظيمات المؤسسات الاستثمارية الاقتصادية التنموية الحديثة.
هنا أوجه الدعوة للخبراء، والمختصين، وذوي الفكر، والرأي، لمناقشة هذه الصيغ، عبر العديد من المنصات الإعلامية، وورش العمل، والندوات، والمحاضرات، وحلقات النقاش، والدورات التدريبية، والإصدارات لبيان كيفية التعاطي معها، وتحفيز رجال المال والأعمال، والمجتمع، إلى المشاركة في هذه الأوقاف، وطرح ما لديهم من أفكار، ومشاريع، وخطط، للمساهمة في تطوير قطاع الأوقاف، وتنميتها، بما يتسق مع العصر.