منذ أن أعلن وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” عن نيّة الولايات المتحدة عقد قمة في العاصمة البولندية لمواجهة الخطر الإيراني، ارتفعت حدة التصريحات الصادرة عن النظام الإيراني الذي لم يخفِ قلقه من عقد هذه القمة، وهو ما عكسته تصريحات المسؤولين الإيرانيين ما بين مهددٍ ومتوعدٍ، وما بين مقللٍ من شأنها وأخرى تمن على البولنديين بتذكيرهم بما قدمته لهم إيران إبان الحرب العالمية الثانية؛ فـ”جواد ظريف” ملك التصريحات النارية أعلن “أن هذا المؤتمر عمل عدائي ضد إيران”، وتم استدعاء القائم بالأعمال في السفارة البولندية لدى طهران وأبلغته الخارجية الإيرانية احتجاجها على عقد قمة “وارسو”، وحذرت من أنها يمكنها الرد بالمثل، ولم تكتفِ بهذا، بل ألغت أسبوع الفيلم البولندي الذي كان مقررًا تنظيمه في طهران في يناير المنصرم، وفي المقابل حاولت “وارسو” إرسال تطمينات لطهران، بأن هذا المؤتمر ليس موجهًا ضدها، وفي ذات الوقت حذرت مواطنيها من السفر إلى إيران.
ويتساءل الكثير، بما فيهم الساسة البولنديون عن سبب اختيار الولايات المتحدة لبولندا لعقد هذا المؤتمر دون سواها من الدول الأوروبية؟ وفي هذا التوقيت تحديدًا؟ ولعل الإجابة تكمن في رغبة واشنطن توجيه عدة رسائل للأصدقاء والأعداء على حدٍ سواء، فالاتحاد الأوروبي تلكأ كثيرًا في مجاراة واشنطن في قرارها الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع مع إيران 2015، وفي فرض عقوبات اقتصادية إضافية على طهران في أغسطس الماضي، في مقابل انسحاب شركات الطاقة البولندية من إيران، بمجرد إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن خروجه من الاتفاق النووي مع إيران، وشروعه في فرض حزمة عقوبات متتالية على طهران، مما يعني وجود أصدقاء أوروبيين جدد على أتم الاستعداد للاصطفاف خلف واشنطن في جميع قراراتها، وفي ذات الوقت يبعث اختيار المكان عدة رسائل لروسيا وإيران على حدٍ سواء، فالحلف الذي كانت روسيا في يوم ما عموده الرئيس وتستند عليه للدفاع عنها، أصبح حلفًا مضادًا لها وعلى حدودها، وهي رسالة بليغة للنظام الإيراني أيضًا؛ وخصوصًا أن الاجتماع يتزامن مع الذكرى الأربعين لقيام هذا النظام.
ورغبة في حشد أكبر عدد من الدول للمشاركة في هذا المؤتمر الذي أكدت ما يقرب من سبعين دولة رغبتها في حضوره والمشاركة فيه، وللتغلب على اعتذار روسيا حضور هذا المؤتمر لتخصيصه لإيران دون سواها، فقد عدلت واشنطن أجندته؛ لتصبح عامة تعني ببحث مجموعة من القضايا المهمة لأمن المنطقة وازدهارها، وسوف يتم التطرق للأزمتين السورية واليمنية، والانتشار الصاروخي، والأمن السيبراني وحقوق الإنسان واللاجئين، ومكافحة التطرف والإرهاب، ورغم ذلك يبقى القاسم المشترك لجميع أزمات المنطقة هو إيران، التي تعمل بعقلية الثورة، لا بفكر الدولة، وتتجاوز القرارات الأممية، (2216- 2231-2254) وغيرها دون رادع، فقد آن الأوان لمحاسبتها على جرائمها المتعددة في حق الأسرة الدولية.
فهل تصبح مخرجات قمة “وارسو” المنتظرة شبيهة بقمة “غوادلوب” الشهيرة في فرنسا عام 1979، والتي جمعت أربع دول – الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا الغربية آنذاك، لبحث الوضع في إيران والعمل على استبدال نظام الشاه بنظام استبدادي آخر، لكن ضرره متعدٍ إلى جميع دول العالم؟ أم سوف تسعى القمة المرتقبة إلى تشديد العقوبات الدولية على طهران، وفرض حزمة جديدة ومختلفة عن العقوبات السابقة، في تفاصيلها وتأثيراتها؟، أم سيتمخض الاجتماع عن تشكيل تحالف دولي لتوجيه ضربات عسكرية نوعية لأهداف استراتيجية إيرانية؟ أم سيكون اجتماعًا شكليًا يخرج منه النظام الإيراني أقوى وأعنف مما سبق؟
وأيًا ما تكون الإجابة على هذه التساؤلات فالمهم في تقديري هو بناء موقف عربي موحد تجاه المشروع الإيراني الذي يستهدف أمن واستقرار وبقاء جميع الدول العربية، لكن لكل دولة عربية موعدها المنتظر وخطط وبرامج مجوسية خاصة، فالحلم الإمبراطوري لا يقوم ولا يستقيم إلا بزوال النظام العربي دون استثناء، فالنظام الإيراني يدرك جيدًا استحالة بناء موقف عربي موحد أو حتى خليجي مشترك للوقوف في وجه المشروع الفارسي، أو حتى تعطيله، وخلاصة الكلام أن مقابلة الخطر الإيراني لا يمكن مواجهته إلا بتحالف عربي على غرار التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، فهل يعي العرب ذلك؟ أم يتغافلون عن هذه الحقيقة المرة كي يجدوا أنفسهم خارج التاريخ والجغرافيا؟!