د. عبدالله العساف

السيادة الوطنية في الفضاء السيبراني

في بداية دراستي للإعلام، وعندما كنا ندرس اختراع الراديو درسنا معه مزاياه في تخطي الحواجز والحدود، وما صاحب ذلك من قلق بعض الدول التي اعتمدت سياسية التشويش على الإشارات الإذاعية، هذا القلق من تجاوز الحدود استمر في بداية التسعينيات مع ظهور البث التليفزيوني المباشر، وما رافقه من دعوات لقليل من الكتّاب والسياسيين، ولكثير من المربين والدعاة بضرورة التصدي للخطر القادم من خارج الحدود.

واليوم، ونحن نعيش طفرة اتصالية غير مسبوقة في جميع تفاصيلها تمثّلت في ثورة الإنترنت، وارتباطها في جميع شؤون الحياة المدنية والعسكرية، عاد القلق المصاحب لهذه النقلة النوعية من قبل السياسيين والعسكريين؛ خصوصًا لما تشكله هذه المرحلة من تجاوز حقيقي للسيادة الوطنية، بل ومن قوة تدميرية حلّت محل الأسلحة التقليدية، لكنها أقل كلفة، ودون أدنى مسؤولية قانونية على مرتكبها، الذي غالبًا ما تسجل انتهاكاته للأمن القومي ضد مجهول!!

في هذه المرحلة تغير مفهوم السيادة الوطنية الذي ارتبط بالحدود الصلبة الجغرافية المتعارف عليها بين الدول، والمُجرم الاعتداء عليها وتجاوزها بحسب مبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي، فقد شهد هذا المفهوم تطورًا ارتبط بشكل عضوي بعصر المعلومات، وبرز مفهوم “السيادة الوطنية السيبرانية”، بعد ظهور قوى عالمية خمس جديدة في عالم القوة السيبرانية أحدها إيران الخصم الأول للمنطقة وللعالم الإسلامي، وهذا يعني  بروز خطر وتهديد من نوع جديد قادر على شل الحياة وتعطيل حركتها في جميع المجالات العلمية، والاقتصادية والطبية، والفضاء والشؤون العسكرية، وغيرها، وأصبحت هي حرب الجيل الجديد الذي لا تخسر فيه الدول جنديًا واحدًا، فضلًا عن عدم تحملها تبعات هذه الحرب السرية البالغة الخطورة والقوة التدميرية.

فهذه الثورة المعلوماتية غيّرت عالمنا؛ حيث أصبح العلم والتكنولوجيا، بمثابة المحركين بشكل واضح للتاريخ والعلاقات الدولية، وهو ما جعل بعض الدول تسعى في المُضي قدمًا باستغلال القوة السيبرانية في مضاعفة قوتها في النظام الدولي، خاصةً أنَّ القوة السيبرانية تتميز بقلة تكلفتها، واعتمادها على مهارات العقل البشري، مقارنة بتكاليف باهظة للقوة التقليدية الأخرى.

ومع وجاهة وخطورة هذا الأمر؛ إلا أن ما يعنيني في هذا المقام، الدعوات الصادرة من بعض المنظمات المسيسة، بضرورة إغلاق نظام “أبشر”؛ لأنه يشكل عقبة في طريق المرأة السعودية كما زعموا، وهذا الأمر يدعونا للتفكير مجددًا بمستقبل معلوماتنا وتعاملاتنا الإلكترونية، التي قد تتعرض للسرقة، والتدمير، أو حتى التعطيل.

 الأمر الذي يستوجب علينا استنساخ التجربة الصينية  سواء بإيجاد شركات خاصة  بنا تقدم لنا خدمات الإنترنت وتخزن عليها بياناتنا، أو في سن تشريعات وقوانين في التعامل مع الشركات المقدمة لخدمات الإنترنت تحمي خصوصية بيانات المستخدمين، وعدم استعمالها من قبل الشركة مقدمة الخدمة.

​فمن حق كل دولة، انطلاقًا من سيادتها، وضع قوانين وقواعد لتنظيم الفضاء السيبرانى طبقًا لما تقتضيه مصلحتها، واتباعًا للممارسات الدولية المعمول بها في هذا الخصوص، كاتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية اللازمة لحماية أنظمة معلوماتها، وخدماتها الإلكترونية، وبناها التحتية بما فيها أنظمة وخدمات الشبكات وأنظمة التقنيات التشغيلية ومكوناتها من أجهزة وبرمجيات، تستوجب النظر للأمن السيبراني بكافة أدواته وركائزه الأساسية بأنه يمثل سدًا منيعًا لحماية وتأمين جميع قطاعات وأجهزة الدولة ومصالحها الحيوية وأمنها الوطني. 

بالمختصر:

في عالم اليوم.. السيادة الوطنية لأي دولة من دون حصانة أمنها الرقمي سيادة منقوصة.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button