المقالات

تَخلَّص مِن الغَضَب

مَالِي غَضِبتُ فضَاعَ أمري مِن يَدِي والأَمرُ يَخرُجُ مِن يَدِ الغَضْبانِ
الغضبُ صفة فطرية يشترك فيها الكثير من المخلوقات، فالإنسان والحيوان والطيور تغضب عندما يُعتدى عليها أو على مسكنها أو النّيل من نسلها، فنراها تستميت في سبيل ذلك، كذلك الإنسان يغضب لو اعتُدي على عرضه أو أرضه أو ممتلكاته، بل لا خير في هذا الإنسان إن لم يغضب، كما أنّ الغضب مطلوب عندما يُنتهك حقُّ إنسان أو أي مخلوق حمايته واجبة علينا. والمؤمن يغضب عندما يُعطَّل حدٌّ من حدود الله أو يشيع أمر يُغضبه، كما أنّ الغضب من أجل المظلومين غضب محمود؛ لأنّه يمدنا بالقوة اللازمة للدفاع عنهم بكلّ وسيلة ممكنة حتى ولو تطلّب ذلك التضحية ببعض المال والوقت من أجل نصرة قضاياهم العادلة.

هذا النوع من الغضب إيجابيّ فهو يزيد من قيمة الإنسان، ويُعلي قدره بين النّاس ويُخلّد ذكره، أمّا الغضب من أجل حظوة النّفس الـ( أنا) فهذا هو الشّائع بين عامة النّاس فبعضهم لا يكاد يمر يوم دون أن يغضب ولو مرة واحدة على الأقل، ولو تأمل هذا الشخص في دوافعه لغضب من نفسه الأمارة بالسوء بدلًا من أن يغضب لها.

لقد أصبحت كلمة (استفزني أو مستفز) دارجة بين النّاس حتى الأطفال، فينشؤون على الانقياد وراء انفعالاتهم، وعدم إعطاء مهلة للعقل لكي يُقلّب الأمر ويتصرف وفقاً للموقف، وهذا ما نلاحظه -مع الأسف- في كثير من الأُسر؛ حيث يغيب الهدوء عن علاقاتهم مع بعضهم البعض، فالأب يعود إلى بيته بعد جهد العمل ينشد الهدوء؛ فإن حصل عليه وإلّا فالويل لأولاده من غضبه، ولو أنّه غرس فيهم خلق الاحترام لأنفسهم ولوالديهم لساد الهدوء وعمَّ السّلام، ولغدا ملِكًا مُهابًا في مملكته، والأمر ينسحب كذلك على الأمّ في بيتها والنّاس في أعمالهم، وفي حركة المرور، ومكاتب الخدمات، حتى من المعلّمين والتربويين لم ينجُوا من هذه الآفة المستشرية.

رُبما لو قابلت شخصًا غضوبًا، وعاتبته على غضبه غير المُبرّر سيقول لك: ماذا أصنع؟ إنّه طبعٌ ورِثتُه عنْ جدِّي، أو أبِي ثم يسترسل في سرد الحكايات التي أُرِّخَتْ لجده وتناقلها الأحفاد عن الآباء، فيقول أحدهم: كان جدّي مخيفًا ومن عصبيته -يقول والدي-: إنّه وأعمامي عندما كانوا صغارًا حين ينادي أحدَهم ترتعد فرائصُه، وقدْ يتبول على نفسه من شدة الخوف!
حتى لو أنّ هذا الشخص كان هادئًا وحليمًا فقد يفسر حِلمه بأنّه وراثة أيضًا، لكن أحداً لن يعاتبه على حلمه بالطبع، بل سيحترمه.

فهل العصبية وراثة؟ وما حقيقة الشخص العصبي؟ وكيف نتخلص من العصبية؟
الدراسات النفسية تبرئ الوراثة وتؤكد أن الغضب السلبي طبع يكتسبه الشخص منذ طفولته من بيئته الاجتماعية وسلوك البالغين الذين يحيطون به، وأحيانًا نادرة يكون المرض والحالة النّفسية أحد الأسباب -باستثناء الحروب فهي بلا شك سبب رئيس-.

إنّ الغضب قرار كما هو الحِلم، ونستدل على ذلك بقول النّبي -محمد صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ”.

إذن يمكن لأي شخص غضوب أن يتخلص من عصبيته بتمرين نفسه على الهدوء، وعدم الانجرار وراء مشاعره في لحظة الغضب، وهذه الطرق والوسائل كثيرة يستطيع أي شخص الحصول عليها من الإنترنت أو الكتب التي تتحدث عن أسرار النفس البشرية، وطبائعها، وطرق ترويضها.

Related Articles

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button