في مقالتي السابقة، عرضت لحديث موجز عن الغضب؛ ولكي لا أطيل على القارئ الكريم آثرت تناول أضرار الغضب في حديث منفصل؛ رغبة في توضيح آثار هذه الآفة التي يجب علينا جميعًا محاصرتها، والتخلّص منها بكل وسيلة ممكنة.
إنّنا حين نغضب من شخص أو أي شيء، إنّما نعبر عن عدم رضانا منه، وهذا أمر مشروع إذا لم تخرج انفعالاتنا عن حدود المعقول، لكن بعض النّاس يتجاوزون الحدود في طريقة تعبيرهم عن غضبهم فمنهم من يعبر بالصراخ والشتم والحرمان، ومنهم من يجُرّه غضبه إلى التعدي على الشخص المغضوب عليه بالضرب أو رميه بآلة حادة أو البصق في وجهه، وغير ذلك من الأساليب التي تنُم على تجاوز الإنسان حدود عقله، وانحداره إلى مستوى أخلاقي أقلّ مما يجب أن يكون عليه؛ مما يترك أثرًا سلبيًا على مكانته الاجتماعية، ويهُزّ صورته أمام النّاس.
يقول الفيلسوف الفرنسي إيمانويل كانت: (الغضب هو العقاب الّذي نعاقب به أنفسنا على خطأ اقترفه شخص آخر).
إنّ أشدّ المتضررين من الغضب هو الشخص نفسه فمن الناحية الصحية فإنّه في لحظة الغضب تزداد ضربات القلب، ويضيق النَفَس، ويقل الأكسجين وتضيق الشرايين والأوردة خصوصًا في الأطراف فيحدث لها نوع من التّصلّب، كما يتسبب في إصابته بالأمراض كالسّكري، وارتفاع ضغط الدّم، وقرحة المعدة والتشنجات العصبية، وقد تحدث له السكتة القلبية أو الشلل، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ فقد يتعداه إلى الإضرار بالصحة النّفسية والعقلية فالشخص الغضوب دائم التوتر والقلق، ضعيف التركيز وكثير النسيان، يشعر بالتعاسة، وعدم الرضا فاقدًا الشعور بالسلام الداخلي والأمان تراه متجهم الوجه، وكأن الدنيا حطّت بثقلها على رأسه، كلّ شيء جميل ومريح يهرب منه حتى النّوم واللعب والمرح، والتمتع بما حوله من جمال وما عنده من نِعم.
إنّ الغضب يشبه النّار فيخرّب كل شيء يصل إليه؛ فهو سبب في نشوء كثير من المشاكل العائلية والخلافات بين الإخوة والأصدقاء فيهجر الأخ أخاه، ويعِقّ الولد أباه أو العكس، ويسيء المعلّم إلى شخصه أمام تلامذته، كما أنّ له تأثيرًا مدمّرًا على الأطفال، وقد يتسبب الأب أو الأم الغضوب في انحرافات سلوكية تهدد مستقبل حياة أولادهم.
ويسّتمِر الغضب بتعقب صاحبه في كلّ جوانب حياته حتى يُفقده احترام النّاس له، وقد يخسر وظيفته أو صفقة تجارية ستكون من نصيبه لو أنّه كتم غيظه وحكّم عقله.
فلو أيقن الشّخص بأنّ الغضب اختياره، وليس صفة موروثة أو قدرًا مفروضًا عليه؛ فإنّه بلا شك سيتخلّص منه فالطرق كثيرة والوسائل متاحة إلّا مَنْ أبَى.