من الصعوبة بمكان المقارنة بين قصدتين في شكلين مختلفين واحدة فصيحة ، والثانية نبطية، لكن يمكن الربط والعمل عليهما طالما أنهما يتناولان الموضوع نفسه .. موضوع الزمن وتقادمه وأثره على الذات الإنسانية ..
القصيدة الأولى للشاعر القديم زهير بن أبي سلمى في معلقته الخالدة التي يبكي فيها أفول الزمن .. ويتذمر منه .. حتى سئمه ومل منه.. فنسمعه يقول:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
بيد أن هذه السنين لم تمر به هكذا عبثا ودون أن يخرج منها بما يثري بها متلقيه ومن يأتي من بعده ؛ ليجعلها حكما منثورة في قصيدته تتناقلها الأجيال جيل بعد جيل ..
فقد عركته الحياة وخاض فيها من حروب .. وتلقى الدروس من ويلات البشر وصنائعهم معه، فكانت هذه الحكم الذهبية منه:
وَمَن لا يُصانِع في أُمورٍ كَثيرَةٍ
يُضَرَّس بِأَنيابٍ وَيوطَأ بِمَنسِمِ
وَمَن يَكُ ذا فَضلٍ فَيَبخَل بِفَضلِهِ
عَلى قَومِهِ يُستَغنَ عَنهُ وَيُذمَمِ
وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ
يَفِرهُ وَمَن لا يَتَّقِ الشَتمَ يُشتَمِ
ومن لا يرد عن حوضه بنفسه
يهدم ومن يخالق الناس يعلم
إنها حكم تمخضت من تجارب عديدة تنم عن رجل خاض الحياة بكل جوانبها وذاق منها ما يكفي ليخرج لنا من دهاليزها ومتعرجاتها ما يفيد .. وما يكشف عن معاناة الشاعر وسط ذلك المجتمع الذي يعج بمتناقضات الحياة..
بينما نجد القصيدة الثانية النبطية وهي لسمو الأمير خالد الفيصل“.. دايم السيف ” الذي أحب فيه هذا اللقب ويحبه غيري كثر ؛ لما يحويه من قوة وأنفة وشموخ عربي أصيل .. نجد أن الفيصل قد وقف على أعتاب الثمانين كزهير بن أبي سلمى فكيف واجه هذا الزمن؟ وكيف كانت رؤيته حوله؟ هل أظهر السأم والملل منه؟ هل أظهر الحزن على أيامه الخوالي؟؟
إن المستمع لقصيدته يلحظ بونا شاسعا بينهما وإن تقاطعا مع الزمن والعمر وما خرجا به من تجارب الحياة..فخالد الفيصل يستقبل الزمن الجديد بكل ترحاب وحب ” يا مرحبا بك يا ثمانين عمري” هذه الافتتاحية للعمر الجديد توحي بقوة الشاعر وأنه ليس بمن يخضعه الزمن ويجبره على الضعف والانكسار .. إنه في تصالح واضح وجميل مع نفسه ومع زمنه .. متقبل له .. مرحب به كضيف عزيز حل عليه وليس له إلا التكريم..رحب بالعمر الجديد الذي لم يتوقع أن يلتقي به أو أن يصل إليه وهو حي يرزق .. التقى به وقد” تناسلت شعرات الأيام تجري” “ وابيضت السودا على ظامي الري“
كسى الشعر الأسود البياض ومازال في القلب نبض للري والسقيا ..
وكل شيء يمضي أمامه سريعا.. الشمس ونجم الليل .. شريط ذكريات يمر كالقطار أمامه ويغدو كل شيء هين لا يستحق منه التضخيم ” وكلْ شيٍ صار في عيني شـوَي” وهذه حقيقة يلمسها كل من تقدم به العمر ؛ فالأشياء التي قد يتهافت عليها الناس قد يراها الكبار لاشيء يذكر ولا تستحق العناء من أجلها، لكن ما الذي يستحق ذكره عند خالد الفيصل؟ ما الذي يبحث عنه ؟
أبحث عن اللي يرفَع الرّاس واشري
ما اشْغَلْـت نفسـي بالمَلـذّات والغَي
أشْغَلتْ وقتي واستفَـزيت عصري
أصَحّي الغفوات بالشمـس والفَي
هكذا أصحاب الهمم العالية والراقية .. لا ينشغلون إلا بكل ما يعود عليهم من خير وعز ، ومجد .. وما أجمل قوله” واستفزيت عصري” فهو رجل عصامي مهما واجهته من عواصف وتحديات في عصره نراه يقف كالطود أمامها يطوع كل صعب .. يسحب بساط النوم والغفوات عنه ؛ لينهض مع تباشير الشمس يطلب الحياة العظيمة..
ولا شك أنه سيصادف العقبات والزلات من الأخرين لكنه يضرب لنا مثالا رائعا لعقل وقلب ذلك المسؤول فيقول:
اغضي.. ولكن ما تَناقَصْـتْ قدري
وأسْمَـحْ.. ولكن ما تنازَلت عن شي
إنها صفات الشخصية الواثقة والمعتزة بنفسها .. التي لا تقبل تكرار الإساءة وهنا يذكرنا بقول زهير بن أبي سلمي ذلك الجد القديم عندما يعطينا حكمته العظيمةالقائلة:
ومن لا يرد عن حوضه بنفسه
يهدم ومن يخالق الناس يعلم
إنها الحياة بكل متاعبها من يغضي الطرف عن الزلات مرة لا ينبغي عليه أن يغضي عنها في المرات القادمة لئلا يفهم منها الاستمراء والتمادي والعجز عن الرد ..
ولا شك أن لمدرسة جده ووالده وأعمامه أكبر الأثر في تكوين ملامح شخصيته ؛ لذلك يذكرهم بكل فخر فيقول:
رُمْـتْ المراَجـلْ طفلْ لكنّي ادري
إنّي أَبَطْـوي كــلّ عَسْـراتها طَي
دَرَسْـتْ علم الفكر والعـزّ بـدري
في مدرسـة جدّي وابوي وعَمامي
فيالها من مدرسة فاخرة أعطت له مراسم الرجولة ، والفكر ، والشموخ، والعز!!
هذه المدرسة القوية هي التي صنعت منه فارسا للكلمة والمعنى والمواقف..
ومهما ثقلت به الأرجل لتقدمه في العمر ؛ فإنها لا تعني له شيئا يجسدها في مفردة” بصري” لأن له عزما يمشي به حيث مشى ومهما بلغ من النصب والتعب..
واليـوم لو ثَقْلَتْ بي الرّجِـل.. بُصْري
لي عـزمٍ امشـي به على كلْ ما في
وتظل أهازيج الشعر .. وأناشيد القصيد .. والحرف هي ملاذه من مواجع الحياة .. وهي القناة التي يشعر معها بالسلوى .. يتماوج معها .. ويتمازج في أعطاف بحورها .. ويلوي قوافيها كيفما شاء ؛ فهي سلواه بهذا العمر إذا ضاق به الصدر.. ودواء لجروحه المدفونة..
أَمَاوِجْ المعنى على بحر شعـري
والْوي قوافيها على شْـراعـها لَي
هيْ سَلْوِتي بالعمرْ إذا ضاق صدري
أداوي جـروحي قَبـلْ حامي الكَي
إنها قصيدة تستحق – بجدارة- الوقف على معانيها ومبانيها أكثر وأكثر ؛ فقد اتخذت منحى جميلا مع الزمن .. وتقدم العمر ..
العمر يمضي كالمح البصر اذا اشغلت نفسك في رضا الرحمن وبالعطاء تزهر وتمضي الايام يمنحزات عملاقة فهنيئا لك اميرنا عطاءك وعمر مديد بصحه وعافيه
سبحان الله نموذجين من الحياة عاشهما الشاعران العظيمان رحم الله ابن ابي سلمي واطال الله عمر اميرنا الغالي
شكرًاللدكتورة أمل فهي من عائلة علمية مرموقة ، وطرحها مايز ، بيد أنها تناولت القصيدتين شكلًا وغاب المضمون المعنوي (الجوهر ) ، فزهير بن أبي سُلمى شاعر من عامة القوم ، تثقله الدنيا وهمومها ، بينما أميرنا المحبوب (مستشار خادم الحرمين) ينتمي للأسرة الحاكمة ومن الطبقة المترفة ، فلا غرو أن يشتكي الأول ويرحب الثاني ، وبين المنتحب والمرحب تتعاور الظروف وتتلاشى ، ولا ننسَ “ابن المعتز ” عندما وصف الهلال فقال: انظر إليه كزورق من فضة — قد أثقلته حمولة من عنبر ، فصاح ابن الرومي فقال : إنما يصف آنية بيته ، وهذا الاستدراك لا يخل بالتحليل الجميل للدكتورة أمل ،. وأحسبها ابنة الدكتور محسن إذا صح حدسي. تحياتي د. نايف بن عبدالعزيز
ماشاءالله لاقوة الا بالله ..
أسلوب رائع في تناول الموضوع
تنقيح جميل في اختيار المفردات
شخصيات قوية قلبا وقالبا
دمتي بود د. امل ?
مقارنة ليست عجيبة من قلم سيّال للدكتورة أمل العميري وليست غريبة على الأمير الشاعر خالد الفيصل بقدر ما هي حقيقة حملتها القصيدتان ومواءمة بين الفصيح والنبطي إن صحت التسمية فما يقوله سموه من شعر يوافق لغته الفصيحة التي دائماً ما نسمعها في كلماته وأحاديثه دونما تصنع ، الحقيقة أن هذا الطرح الأدبي المتميز يستحق القراءة والتغلغل في جسد النصين والمقاطع التي تناولتها الكاتبة القديرة للوقوف على كنه التمازج بين النصين لغة وهدفاً ، نغبط الكاتبة وندعو لسمو الأمير بطول العمر على صحة وطاعة وحسن ختام .