قرأت مقتطفات من كتاب الأستاذ الفاضل محمد غزالي يماني، حول أولية نادي الوحدة في التأسيس، وقد شد انتباهي الأسلوب البحثي والمنهج العلمي الذي اعتمد عليه المؤلف في سرد الحقائق والمعلومات؛ حيث اعتمد على المصادر الرسمية الموجودة في أرشيف مكتبة الحرم المكي الشريف، كالصحف التي كانت تصدر قديمًا مثل صحيفتي أم القرى وصوت الحجاز، وهما أول صحيفتان تصدران في العهد السعودي، وكذلك على الكتب والمراجع التاريخية المؤلفة في تلك الفترة، والتي تتحدث عن تاريخ مكة المكرمة الاجتماعي والاقتصادي والرياضي؛ إضافة إلى تتبع التاريخ الشفهي من أهل المعرفة وكبار السن، وعمل على ربط الأحداث والوقائع بدقة متناهية.
وقد تصفحت الكتاب الذي بلغت صفحاته (280) صفحة وقدّم له الكاتب القدير الأستاذ عبدالله خياط، الذي نوه إلى أهمية وحقيقة ما ورد في هذا الكتاب من معلومات، معتبرًا إياه مرجعًا رياضيًا مهمًا.
وكان مما أكد عليه الأستاذ/ عبدالله خياط في مقدمته للكتاب، بأن نادي الوحدة هو أول نادي تأسيسًا بالمملكة؛ حيث بدأ باسم (المختلط) في سنة 1334هـ ثم تغير اسمه إلى (الحزب)، ولكن لما لهذا المسمى من مدلول سياسي غير مرحب به، فقد تقرر التيمن بأعظم حدث في العصر الحديث، وهو وحدة المملكة العربية السعودية فأطلقوا عليه اسم (الوحدة)، وكان ذلك سنة1366هـ.
كما أورد الأستاذ/ عبدالله خياط في مقدمته نقلًا عن الأستاذ/ إبراهيم خفاجي (يرحمه الله) قوله بأن الخطأ الذي حدث هو أنه عندما طلبت إدارة الشؤون الرياضية من الأندية بعث تاريخ التأسيس، بعثت إدارة نادي الوحدة تاريخ العام الذي أطلق فيه مسمى الوحدة وهو عام 1366هـ، وكان من المفترض أن يتم بعث تاريخ بداية تأسيس النادي التي كانت عام 1334هـ.
وعلى وجه العموم فلست هنا لأعيد ما أكده الأستاذ الفاضل محمد غزال يماني في كتابه القيِّم، فقد حُسم الأمر وحصص الحق.
وحول هذا الموضوع كتب الأستاذ/ أحمد حلبي مقالًا تحت عنوان (نادي الوحدة الأول دوما)، وأتفق تمامًا مع ما ذكره الكاتب الأستاذ/ أحمد حلبي في مقاله الذي أكد فيه على ضرورة توثيق كافة الأنشطة والفعاليات التي ينفذها نادي الوحدة بمكة المكرمة.
وأقصد هنا الأنشطة والفعاليات غير الرياضية، كالأنشطة الاجتماعية والثقافية والتوعوية وغيرها، فمن المؤكد بأن تلك الأنشطة لا تقل أهمية عن الأنشطة الرياضية، وكما هو معروف بأن جميع أنديتنا تضم إلى جانب نشاطها الرياضي الأنشطة الثقافية والاجتماعية، ويعد نادي الوحدة من الأندية التي تولي هذه الأنشطة اهتمامًا كبيرًا لا يقل عن الاهتمام بالنشاط الرياضي؛ حيث ذكر منها الأستاذ/ أحمد حلبي المسرحيات التوعوية بأضرار المخدرات، وبرامج الترحيب بالحجاج والمعتمرين، وإعداد موائد الإفطار للصائمين في شهر رمضان المبارك، وتنفيذ برامج الاحتفالات في عيدي الفطر والأضحى؛ إضافة إلى المحاضرات، والأنشطة التوعوية وغيرها.
ومما تجدر الإشارة إليه هو أن نادي الوحدة من أوائل الأندية بالمملكة العربية السعودية الذي يهتم بتنفيذ مثل هذه الأنشطة الهادفة، وهو أمر يستحق الإشادة والشكر لأبناء هذا النادي العريق والقائمين عليه لاهتمامهم بتفعيل تلك الأنشطة وإعطائها جانب كبير من الاهتمام إلى جانب النشاط الرياضي، مع التأكيد على ضرورة توثيق هذه الأولية لنادي الوحدة.
وقد يقول قائل إن ذلك أمر طبيعي باعتبار أن مكة المكرمة هي المدينة المقدسة التي تضم المسجد الحرام والمشاعر المقدسة وتستقطب ملايين الحجاج والزائرين، وبالتالي فإن الحاجة لتلك الأنشطة موجودة، فهنا أقول له أولًا إن مكة المكرمة حماها الله – هي واحدة من بين مدننا الغالية بالمملكة، وبالتأكيد إن لكل مدينة ما يميزها عن غيرها، ومن حق أبناء كل مدينة، بل ومن واجبهم بأن يقوموا بتوثيق كافة الأنشطة والفعاليات، لإبراز ما تتميز به كل مدينة في مملكتنا الغالية، وثانيًا أن الأنشطة التي نفذها نادي الوحدة لم تقتصر على توعية الحجاج والمعتمرين فقط، بل هناك أنشطة متعددة تستهدف العديد من فئات المجتمع، مثل أنشطة التوعية بأضرار المخدرات، وأنشطة إعداد موائد الإفطار الجماعي للصائمين في شهر رمضان المبارك، واحتفالات عيدي الفطر والأضحى المباركين، والمحاضرات التوعوية وغيرها من الأنشطة والمبادرات التي تساهم في ترسيخ مفهوم الترابط الاجتماعي، وتعكس حرص أبناء النادي والقائمين عليه من خلال العديد من الأعمال التطوعية، والتواصل مع شرائح المجتمع المختلفة وتفعيلًا لهذه الأنشطة لما لها من أبعاد اجتماعية وروابط دينية تساهم في أحداث التواصل، والتقارب الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك فإن سلمنا بالأمر واعتبرنا أنه من الطبيعي أن يكون السبق لمدينة مكة المكرمة باعتبارها المدينة الدينية المقدسة، فمن الطبيعي أيضًا أن تكون سابقة في الأنشطة الرياضية، فمكة هي الأولى في كل شيء، وكما هو ثابت ومعروف فإن مكة المكرمة حظيت بأوليات عديدة من بين مدن المملكة، انطلاقًا من هذه المكانة المقدسة، فعلى سبيل المثال في مكة المكرمة تم إنشاء أول مصلحة للصحة، وأول مستشفى بالمملكة، وأول إدارة مرور، وإدارة دفاع مدني، وشرطة نجدة، وأول مقر لوزارة الخارجية بالمملكة، وأول جمعية إسعاف، وأول مدرسة نظامية، وأول إذاعة، وأول صحيفة رسمية، وأول مطابع حكومية، وإدارة كهرباء وإدارة تعليم، وأول قسم لرعاية الشباب، وأول مصرف مالي، وأول فندق، وأول طابع بريد، وأول عملة سكت كانت بمكة المكرمة، وغير ذلك من الأوليات التي لا حصر لها ولا يتسع المجال لذكرها.
ومن هذا المنطلق وبما أن بداية كافة الأنشطة والمتطلبات الإنسانية كانت في مكة المكرمة، ومنها انتشرت إلى بقية مدن المملكة، وكون مكة المكرمة هي نقطة التجمع للحضارات والثقافات الإنسانية المختلفة، فمن الطبيعي أن يكون النشاط الرياضي هو واحد من تلك الانشطة التي بدأت، وانطلقت من هذه المدينة المقدسة.
وختامًا: لا يسعني إلا أن أسجل شكري وتقديري لسعادة أستاذنا الفاضل محمد غزالي يماني على جهوده المضنية التي أثمرت في تصحيح معلومة تاريخية ظلت مغيبة لسنوات طويلة، وكذلك لسعادة رئيس نادي الوحدة، ونائبه، وجميع منسوبيه، ولرابطة جماهير النادي الوفية ومجموعة ملتقى العشاق، ومبادرتهم الجميلة بإقامة الندوة التأريخية عن رياضة مكة، والحفل البهيج الذي أقيم بهذه المناسبة واللذين جسدوا من خلاله حبهم وولائهم لهذا النادي العريق، وللمدرج التاريخي الوحداوي على مشاركتهم ولجميع أهل مكة الأوفياء.
لافُضّ فوك، وأحسنت وهذا هو الصحيح…