سليمان الزايدي

الشّيخ العَلَم..فقيد العلم

(يأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي).

فقدت منطقة الباحة يوم (١٤-٧-١٤٤٠٠هـ) ابنها البار الشّيخ العَلَم، سعد بن عبدالله بن أحمد الملّيص رجل التّربية والتّعليم الأوّل فيها، الرّائد الذي أفنى حياته في خدمة العلم وطلابه، والثّقافة وعشّاقها، والمجتمع وحاجاته.

 

تــولّى وأبــقى بيننا طِيْــب ذِكْره…

كبــــاقي ضياء الشّمس حين تغيب…

ولسوف يسجّل تاريخ الترّبية والتّعليم في بلادنا بمداد من ذهب للرّائد الفقيد أولويّته في نشر التّعليم في منطقة الباحة، وبثّ روح الجد والعزيمة في أبنائها، وحفزهم على مواصلة تعليمهم، وطلب المعرفة.

لقد كانت قضيّة الرّاحل التي عاشها وأخلص لها طوال حياته هي نشر المعرفة وتعليم النّاس العلم الشّرعي، وبذل الجهد في الّنصح لطريق الحق والخير، فتعلّق به القريب والبعيد، وكانت ثمار جهده أجيال من المبرِّزين أثروا حياة  المجتمع السّعودي بعلمهم وفكرهم وجهدهم في أكثر من موقع من مواقع التّنمية المزدهرة في بلادنا.

هنيئًا له قد طاب حيــــًا 

وميتًا….

 فما كان محتاجًا لتطييب أكفان….

لقد عاش الفقيد للنّاس، ولم يعش لنفسه، أو لأسرته، أو لقبيلته فكان ينظر للأمام بعين الرّائد في أهله، ويخطط لما بعد الغد، يقوم بكل ذلك بهمّة عالية، وطموح سقفه السَّمَاء، وقناة لاتلين أمام الشدائد التي تقويه، وتزيده ثقة وثباتًا ومضيًا إلى الأفضل.

أخلص لدينه وولاة أمره ووطنه وحاز من المحامد أنفسها، ومن الأولويات أرقاها، كان سابق غير مسبوق، عجز مجالوه عن مجاراته، كسب ثقة مجتمعه فكانت أعماله مكان تقدير حكام منطقة الباحة من الأمراء والمسؤولين، وحظي منهم بالتّوقير الشّخصي والتّكريم المعلن.   

     

لقد ربطتني بالرّاحل الكبير علاقة  الطّالب بأستاذه، وكانت آخر زيارة له في داره ببني ظبيان بالباحة يوم السبت 16شوال 1439 مع الزّملاء:

– د. محمد بن سعد العصيمي 

وكيل وزارة التّربية والتّعليم للتّطوير التّربوي سابقًا

– د. محمد بن حسن الصّايغ

وكيل وزارة التّربية والتّعليم لكليات المعلّمين سابقًا

– الأستاذ عبدالله بن عبدالمعطي النّفيعي

مساعد المدير العام للتّربية والتّعليم بمنطقة مكّة المكرّمة سابقًا

– الابن النّقيب محمد بن سليمان الزايدي

 فكان لقاءً حميميًّا، رحّب بِنَا الشّيخ كثيرًا، وسعد بزيارتنا، ونحن سعدنا بلقائه أيّما سعادة، فوجدناه – رغم شدّة المرض – يتحلّى بوقاره وجماله وأناقته،  متّقد الذّهن، يراقب النّهضة التّعليميّة والفكريّة والتّنمويّة بشغف.

حدّثنا عن بعض محطات مشواره، وذكر لنا بحفاوة بالغة جزءًا من تاريخ مدرسة الرّيحانية الأهليّة التي أسّسها في منزله ببني ظبيان في عام 1378، والتي أحدثت نقلة تعليمية هائلة في طلب العلم، ومكّنت الطّلاب من مواصلة تعليمهم طوال العام بهذه المدرسة لينتقل بهم المعلم الرّائد لأداء الاختبارات النّهائية أمام المدارس الحكوميّة في مدينة الطّائف أو مكّة المكرّمة متحمّلًا في ذلك مشقّة السّفر، مع قلّة ذات اليد.

كان الشّيخ – رحمه الله – يتحدّث لنا عن ذكرياته والسّعادة تغمره وهو يرى طلاب مدرسة الرّيحانية الأهليّة وقد أصبحوا أعلامًا مضيئة في سماء بلادنا الغالية، لقد أغدق علينا من لطفه وطلاوة حديثه ماجعل تلك الزّيارة خالدة في الذّهن، وقبل أن نودّعه أهدانا مجموعة من مؤلّفاته ومذكّراته القيّمة.

سعد بن أحمد المليص لم يكن اسمًا عابرًا في تاريخ منطقة الباحة، بل هو أحد أعلامها الكبار، ورجالاتها التّاريخيّيِن الذين يفاخر بهم الوطن. 

وإذا كان الشّيخ قد برز نجمه في سماء التعليم والأدب والثقافة فإنه يمتلك باعًا طويلًا في الأعمال الانسانية والاجتماعية وإصلاح ذات البين، مما أهلهُ للتّكريم من قبل دول مجلس التّعاون الخليجي كأحد روّاد العمل الاجتماعي التّطوعي على مستوى دول الخليج عام 1410 كما كان الشيخ مقصدًا للغرباء وذوي الحاجة والضّعفاء والمساكين.

لقد ورّث الفقيد تراثًا خَالِدًا وقدوةً تقتفي أثرها الأجيال. وتكريمه واجب، وصورة من صور الوفاء، وفِي سبيل تكريمه وتخليد اسمه أقترح على وزارة التّعليم تسمية واحدة من مدارس الباحة باسمه، وعلى وزارة الشؤون البلدية والقروية تسمية شارعٍ باسمه، وحبّذا لو كان الشّارع الذي يقع عليه النّادي الأدبي. كما أن من واجب  النّادي الأدبي بالباحة أن يحتفي بأعمال الفقيد الأدبية نشرًا وتوزيعًا، وأن يعقد ندوة لإبراز أثاره، وتتبّع مسيرته باعتباره المؤسّس الأول لهذا النّادي العريق.

(رجلٌ تبرعم ساعداه رجالًا

     وكسا السماحة والوفاء جلالًا

رجلٌ جنوبي الملامح شامخ

      أرخى له الفخر المهيب عقالًا

رجل تسامى في مدارات النّهى

       ودنت تُقبّل رأسه إجلالًا

رجل ولا كل الرجال عطاؤه

       أغنى بسائغ فكره الأجيال ) 

   

دعاء..

 اللّهم هذا عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، سعد بن أحمد المليص أفضى إليك اللّهم فارحمه وعافه وأعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، وأجعل قبره روضةً من رياض الجنّة برحمتك.  

اللّهم إنا نسألك ياكريم يارحيم أن تُعين أبنائه وأخوانه وأسرته وطلابه وقبيلته ومحبيه على ألم الفراق وأن يعوّضهم ويعوّض الوطن فيه خيرًا، وأن يجمعنا به ووالدينا وموتى المسلمين في مستقر رحمته. دعاء نرفعه من جوار الكعبة المشرِّفة من الحرم الآمن من مكة المكرّمة ونحن موقنون بالإجابة.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. رحم الله الشيخ سعد بن أحمد المليص واسكنه فسيح جناته والهنا وأهله جميل الصبر والسلوان فقدن علما من اعلام التعليم والتربية

  2. يا اخوان الرجل بصحة جيدة وأشغلتوا معارفه ومحبيه ارجوا الإسراع بحذف الخبر والاعتذار والتأكد قبل نشر مثل هذه الأخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com