عوضه الدوسي

دوس والظاهرة اللونية المتعددة

فطنت في الآونة الاخيرة لظاهرة اللون المتعدد في المكان الواحد , وقد ادركت أن ذلك مرتبطا بعبقرية الطبيعة وكذا الأوقات المختلفة بين شروق الشمس وغروبها الى جانب اختلاف الفصول الاربعة مع التباين الواضح للعوامل الجوية , والمتأمل في هذه المشاهد اللونية المتغيرة كما اسلفتللمكان الواحد يدرك قدرة الله سبحانه وتعالى (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) وقد اجريت اشبه ما يكون بدراسة ميدانية في دوس الواقعة شمال غرب محافظة المندق على هذه الظاهرة لمعرفة ذلك عن كثب وقد وقع الاختيار على هذا المكان كونه متفاوت في الارتفاع والانخفاض وكذا به امتدادات جغرافية وبيئات مسطحة مكسوة بالغطاء النباتي وبعض الاشجار وهذا لاشك يزيد من كثافة اللون وتتباين الملامح فيه تبعا للفصول الاربعة والاوقات المختلفة الى جانبان هناك تضاعيف متعددة ومختلفة في دوس ما بين جبال مستطيلة الشكل تربض في المكان منحتها تلك الظاهرة اللونية ألفة وحميمية وتمتد الى مسافات بعيدة افقياً معتدرج بائن من السفح الى القمة وارتفاع شاهق كجبل (ظهر الغداء), أو جبالٍ هرمية الشكل كغابة عمضان (جبل جنبه) بانتصابه السرمدي المحفوف بوقار شفيف فغدت اطلالته وظاهرته اللونية باعثة بالدفء وحتى الانس والسعادة والسرور , أو حتى جبل العرنين الذي يقع شمال دوس المتباين في ملامحه من يفارقه بعد ان درج في جنباته يشعر بشيء في النفس كونه مألوف الملامح وقد قال عنه مالك بن فهم الدوسي حين هاجر هجرته الشريفة الى عُمان

وبالعرنين كنا أهل عز …….  ملكنا بربرأً وقرى معان

والمعاني التي يشير اليها الشاعر والملك مالك بن فهم هي دلالات ومعان يباهي بها كظاهرة اللون التي اضفت على المكان معاني كثير مضمرة لها منزلة في نفسه لان كلمة معاني قد تغني عن الشرح لتكملة المراد من الكلام ,فالصورة المستوحاة جاءت في سياق تحرير بصري رائع تستدعي ظاهرة اللون واختلافه في المكان بعد ان علاء بمنزلته في نفسه واستحق ان يباهي به

وفي الواقع نحن اما حقيقة تتعلق بالمعاني والدلالات اللونيةالتي تحملها هذه الاختلافات لتلك الامكنة وما يمكن ان تشكله من تعدد في جمال اللون وتبايناته المختلفة مع اختلاف الوقت وزمانه , وما يؤكد ذلك ان دوس تشرف بشكل مباشر على الشفاء المطل على كل ارجاء الساحل فان هذا البعد الدراماتيكي منح الخصائص اللونية ملمحاً أخر فالناظر على إطلالة من الشفاء يتحقق له لحظات الغروب تماما ويتأكد له غياب قرص الشمس في كل مراحل التلاشي حتى المغيب التام مع تناثر للشفق في افق السماءوهذا لاشك ينعكس على الطبيعة وهذا الملمح يرسم على المكان ابعاداً لونية مغايرة مع لون الطبيعة في المكان, الامر الذي يضفي حالة جمالية قل لها نظير او مثيل وتكتسي الامكنة مشاهد مغايرة وتلمس بعد اللون بكل تدرجاته وكلما تغير الوقت او الفصل الزمني زاد او قل اللون وهذا التشكل هو من يرسم لوحة جميلة في كل ابعاد المكان .

والشاعر حسن الزهراني ( بحتري الباحة ) في قصيدته الموسومة بـ (فراشة القلب وزهور الوطن) التي القاها في حفل افتتاح التنشيط السياحي لمنطقة الباحة, وهو يصف ظاهرة اللون في الغابات التي ارتبطت بظواهر متعددة وعوامل جوية مختلفة يتجلى في اللون بثوب قشيب رائع الملمح بعد ان ارتدت الطبيعة وعلى جيدها الممتد في تضاعيف المكان ثياب العشب الزاهي  وبان في سهولها واوديتها ظاهرة اللون يقول :

غاباتها من دِمسقِ السحب قد لبِست

ثوباً وفي جيدها عشبٌ وغدرانُ

إن كثافة اللون مع ملامح والوان الطبيعة يحوّل البيئة المحيطة الى صور ماتعة ضمن دائرة الجمال الباذخ , وقد اسعفني الوقت في ماضي من الايام وكتبت مقالا بعنوان (ظهر الغداء المكان الاسطورة ) وذكرت فيه ما نصه ان الاشياء بالمسافة بين بعضها البعض وان التباينات الجغرافية في المكان مغنية , ويعود هذا الاغناء الى اختلاف الاوقات لان ظاهرة اللون تتجلى في كل ابعاد الامكنة ,الامر الذي ينفسح لنا جمالا فنيا لرؤية العناصر اللونية المتصلة بالمكان فاللون البصري يتفاعل مع اشعة الشمس وكذلك مع الاجواء والاوقات المختلفة فعند شروق الشمس او غروبها تتكون تباينات بصرية للون وعلى كل الموجودات حسب جهد الرائي وقراءته للألوان ويكون لها قابلية خاصة مما يترك اثرًا واضحا في النفس أو على الاقل يتكون انطباعاً خاصاً نحو كل ملمح بصري فترى الدكنة وتموجات اللون المختلفة اقل ماتوصف تلك المناظر بانها تسر الناظرين , ولو حاول الفنانأن يرسم لوحة لذات المكان في اوقات وفصول مختلفة حتما يخرج بلوحات متعددة الملامح والالوان لان اللون البصري اخذ اشكالا أخرى تبعا للوقت الامر الذي يغير من نمط الانسان وحالة النفسية , وفي هذا الجانب دعت الدراسات العلمية الى نقل من يعاني من حالة نفسية سيئة او اكتئاب الى مناضر طبيعية مع تباين واضح في جغرافيتها والتي من شأنها رفع مستوى النفسية مما يرجى تحسن الصحةوالاستقرار النفسي, لان المد الجغرافي المتباين مع تغيره اللوني حسب الوقت يعد من العوامل المساعدة  للارتياح وباعثة للحفز النفسي نحو استعادة الاستقرار النفسيالذي يدفع الى التفاؤل والأمل والخروج من دائرة اليأس والقنوط ,ولذا غالبا ما يستلهم الفنانون والشعراء تلك المناظر بألوانها الزاهية ويجمحوا بخيالاتهم عنان السماء الا للوصول الى تلك المرحلة التي ستقود الى ما بعدها لتجود القريحة وتبدع الريشة وهذا الاستدعاء الذكي كان بكيفية جمالية او ما يسمى بالجمال الشفيف ليرى الاشياء وما خلف الاشياء وهو استدعاء ضمني في بيئة مغايرة ومختلفة عن غيرها ترفع من الذائقة وتقود الى حس مرهف وعند ذلك فقط تقف النفس على مشارف الجمال ويبدأ الابداع ويزداد اتساعه تبعا للظاهرة اللونية.

Related Articles

7 Comments

  1. صح بوحك أستاذ عوضة
    اعجبني جدا ماسطرته عن دوس جمالا ساحرا وكنت دائما اقول إن جزيرة العرب يتنافس فيها ثلاث مواقع من حيث الجمال محافظة المندق في السعودية ومحافظة صلالة في عمان ومحافظة آب في اليمن .
    ففي محافظة المندق كثافة غطاء نباتي وتنوع في الأشجار ويزيد التنوع في الشجيرات والأعشاب حتى أنك تستطيع أن تعمل باقة واحدة من الزهور والورود تزيد عن أربعين نوع خلال تجولك في سفح من سفوح جبال محافظة المندق .
    ومركز دوس هو قمة جمال المحافظة في هذا الجانب وقد حظيت المحافظة ببناء العديد من الفنادق والشقق السياحية مع مايساندها من مطاعم ومراكز تجارية تعزز تميزها السياحي عن منافسيها .

  2. موضوعك شيق وساعود له ويهمني كل مايظهر تاريخ دوس ومكانتها التاريخيه ملوك وصحابه

  3. أجدت اخي ابا عبدالملك في وصف الطبيعة التي منحها الله سبحانه وتعالى لدوس .
    ولهذا اذا أردت ان تعرف صفة شخص ما فانظر او استمع له وهو يصف اويقول او يكتب عن ذلك المكان او الشخص الاخر وفقك الله اخي الحبيب ابا عبدالملك في هذا الوصف الرائع وانت مميز دائما

  4. شكرا لكل من يكتب ويحب محافظة المندق واخص المبدع الأستاذ عوظه ابو عبد الملك والغالي الأستاذ حمود الفقيه كلاكما تتحدثان عن جزء من منطقة الباحه ومنطقة الباحه عموما تشتهر بالغطاء النباتي وقمم جبال السروات التي عاش فيها عضماء أمثال الطفيل وابو هريره وغيرهم ومازالت تلك الخيريه مستمره وباقية مابقي الليل والنهار
    شكري الخاص لتلك الصحيفة
    المسماه صحيفة مكه الألكترونيه ممثله في رئيس تحريرها البطل المثقف الموهوب عبد الله ابو احمد
    ومنطقتنا الباحه ولله الحمد هي واسطة العقد بين المنطقة الجنوبيه ومكة المكرمه كان ومازال يعبرها الحجاج والمعتمرون والسياح والمصطافون
    من تلك الأرض شع للحضارة نور
    من قديم ومن هناء يتجدد
    بالمخلصين المبدعين نوصل بإذن الله للعالميه
    مستمرون وستظل منطقتنا تتطور وتفتح ذراعيها للزوار
    مرحبا ترحيب غيث في سماه
    لاح براقه ومزنه هل ماه
    وامست العربان ترعا في حياه
    بعدما كانت مناز لهم سنين
    المحب لمنطقته ومملكته
    علي صالح سعور
    المندق

  5. في الحقيقية مداخلات الدكتور بخيت والاستاذ علي صالح موضع شرف وفخر ويعجز الإنسان عن إيضاح ما يجول في الخاطر
    شكرا بحجم السماء ع عذا الإطراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button