د. عبدالحفيظ محبوب

الثالوث الذي يتغذى عليه الإرهاب

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 أعلن بوش الأب عن مرحلة جديدة من النظام العالمي الجديد بنيته الأساسية العولمة، لكن بوش الأب لم يتنبه إلى أن مؤسسات العولمة مثل البنك الدولي وصندوق النقد قام بعد الحرب العالمية الثانية ناقضا نظاما دوليا قديما المتمثل في صلح وستفاليا عام 1648 لكن تم تفعيل منظمة التجارة العالمية.

العولمة هي حركة طبيعية، لكن الغرب يريد أن تكون القيادة بيده، وأن تنحصر فوائدها حتى لو كانت لكل البلدان، لكن لابد أن تصب الفوائد الجمة في مركزه، وألا تفلت القيادة من يده، والغريب أن دول اشتراكية مثل الصين هي اليوم تدافع عن العولمة، فنجد في الكلمة التي ألقاها الرئيس الصيني في دافوس 2017 قال صحيح أن العولمة الاقتصادية خلقت المشكلات الجديدة إلا أنها ليست مبررا كافيا لشطب العولمة الاقتصادية بالكلية من الأجندة الدولية للأمم.

هناك أيضا أصوات عاقلة، فالسيدة كريستين لاغارد المديرة لصندوق النقد الدولي طالبت بضرورة تقاسم فوائد العولمة بقدر اكبر من الإنصاف إن أريد لها البقاء والاستمرار، ولم تكن العولمة مسؤولة عن الهجرة والنزوح، بل ترك الصراعات والصدامات التي تفشت في منطقة الشرق الأوسط وتركها دون حلول سياسية، وبعدما ظهرت هجمات قوية في الغرب تم ربطها بالعولمة التي نتج عنها الهجرة وسرقة الوظائف، دون ربطها بترك الصرعات تتفشى في منطقة الشرق الأوسط من دون حلول، فانتشرت الأفكار الشعبوية التي كانت ركائزها الغرائز القومية التي تدعو إلى المزيد من الانعزالية والتطرف، التي يمكن أن تقود في النهاية إلى الصراع بين الدول الكبرى واندلاع موجات إرهابية واسعة، وربما تقود إلى نشوب حروب مدمرة.

لكن أفرز الخطاب الشعبوي ثقافة معادية للمهاجرين، واعتبارهم غزاة ومحتلين ومغتصبي حقوق المواطن الغربي، وتم غرس جرثومة الكراهية التي تربت في عقول الناشئة، وكان هناك أيضا استسهال في ربط الإرهاب بالإسلام كدين، وخلق فوبيا ضد المسلمين، والتي أخفق العالمين العربي والإسلامي في مواجهة دعاتها بخطاب ديني معتدل بعيدا عن الخطاب التبريري، وأعمال تثبت بطلان دعواهم، لأن الخطاب اليميني رؤى ذهنية قبل أن يتحول إلى رصاصات قاتلة، ويتسبب في انخراط أعمى في تشوية هذا الدين، والذي يمكن أن يتحول إلى دوامة مهلكة، والتي تذكرنا بالحروب الدينية التاريخية.

هناك ثمرة لهذا الخطاب كما في إقدام استرالي ينتمي لليمين المتطرف المعادي للمهاجرين، وبشكل خاص المسلمين في القيام بمذبحة في مسجدين في نيوزيلندا في مدينة كرايست تشيرش يوم الجمعة في 15/3/2019، ومن يشاهد القتل يتساءل هل هو حقيقة أم بعض من ألعاب العنف والموت المنتشرة عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي تحث على الانسلاخ من الإنسانية، ولكنها ألعاب بمثابة غسل الأدمغة وتوجيهها نحو القتل والدمار، وهل سيأتي قادة العالم لنيوزيلندا للتعبير عن تضامنهم مع أسر شهداء المسلمين في نيوزيلندا الذين تم اغتيالهم من قبل إرهابي يميني كما فعلوا في حادث مجلة شارلي إيبدو؟.

الإرهاب المرتبط باليمين المتطرف ليس أقل إجراما من الجماعات الإرهابية من المسلمين التي استحوذت على عناوين الصحف واقتصر عليهم اهتمام السياسيين حتى أن البعض منهم ربطه بالدين الإسلامي إما جهلا أو قصدا، ففي حين قتل الإرهابيون من المسلمين مئات الأشخاص في أوربا الغربية والولايات المتحدة بين عامي 2014 و 2016 في أوج صعود داعش، فإن ذلك شتت الانتباه عن إرهابي اليمين المتطرف الذين أوقعوا 66 قتيلا في 113 هجوما حول العالم بين عامي 2013 و2017 بحسب معهد الاقتصاد والسلام الذي يتخذ من سدنى مقرا له، لكن هناك عمليات قتل لا يعلن عنها، ويمكن تذكر أنديرس بريفيك الذي أردى 77 شخصا في عام 2011.

كذلك أوضحت رابطة مكافحة التشهير الأميركية بأن يتحمل المتطرفون اليمنيون المسؤولية عن 70 في المائة من 427 جريمة قتل مرتبطة بالتطرف وقعت في الولايات المتحدة خلال الأعوام ال10 الماضية، وإذا كانت عمليات القتل المرتبطة باليمين المتطرف في ازدياد، لكن مركز جينز لأبحاث الإرهاب والتمرد يؤكد أن جرائم القتل المرتبطة بتنظيم داعش انخفضت بنسبة 51.5 في المائة في عام 2018.

وفي دراسة أجرتها إرين كيرنز من جامعة الباما 12.5 في المائة فقط من 136 عملا إرهابيا وقع في الولايات المتحدة بين عامي 2005 و 2015 ارتبطت بجماعات من المسلمين، لكنها حصلت على أكثر من نصف التغطية الإخبارية، فإذا كان مرتكب الجريمة من المسلمين، يزيد عدد الأخبار حول الهجوم بنسبة 357 في المائة، بحسب حسابات كيرنز وزملائها.

وفي ألمانيا يراقب المكتب الفيدرالي لحماية الدستور وجدت أن عدد اليمنيين المتطرفين الذين لديهم رغبة في ممارسة العنف ارتفع من 9600 عام 2012 إلى 25250 شخصا في عام 2017، ما يعني أن الإرهاب لدى اليمين المتطرف في ازدياد، وهذا يعني على المجتمع الدولي أن يراقب جميع المتطرفين بعيدا عن أي دين ومذهب وقومية باعتبار أن الإرهاب لا دين له.

إذا هناك ثلاثي يتغذى عليه الإرهاب الذي لا دين له، الخطاب اليمني المتطرف، وانتهاكات القانون الدولي من قبل إيران المسؤولة عن صناعة داعش وإسرائيل، والإخفاقات التي فشلت في مواجهة هذا الثالوث تمثل أحد أسباب ظهور الإرهاب وانتشاره، حيث تتغذى التنظيمات الإرهابية على هذا الثالوث، ويقتات على ممارسة الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، واستهداف إيران العرب السنة، وتغذي اليمين المتطرف على هذين العاملين الذين تسببا في الهجرة والنزوح.

سيتحول العالم إذا لن تتم مواجهة هذا الثالوث إلى ضباع وعلينا أن ندعم فيسبوك التي حذفت مليونا ونصف المليون من الرسائل والفيديوهات عن جريمة المسجدين في نيوزيلندا ولكن بشرط أن يتم في المقابل حذف الرسائل إذا ارتكبت جرائم مماثلة من قبل إرهابيين منتمين للمسلمين، ومنع السياسيين من التجارة بمثل هذه الأحداث لأغراض انتخابية أو أغراض أخرى مثال ذلك النائب الاسترالي واردوغان الذي أقام سرادق بحجة الدفاع عن المسلمين وهو تقاعس عن نجدة أهالي إدلب الذي تكفل بالدفاع عنهم.

لا نترك الإرهاب يتحول إلى منتج من منتجات الإعلام الاجتماعي الجديد فستكون الكارثة لا حدود لها وستنهار الأخلاق والقيم والقوانين نتيجة السيل الهادر المنصبة على وسائل التواصل الاجتماعي من الكراهية والبغضاء والتحريض المتبادل الذي سيتحول إلى ثأر متبادل لا نهاية له وحتى لا يعيش مجتمع فسيح من الفوضى يعشعش فيه الإرهابيون المحتملون وهم الأخطر بلا أسماء وبلا عناوين سيفاجأ بهم الأمنيون من أنهم غير مرصودون أو مراقبون تساندهم شبكة واسعة من الدعم بالأفكار والمبررات بل وتصفق لهم لارتكاب جرائمهم بعدما يتم غسل عقولهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المجاني.

فالكل مستهدف ولا يمكن أن ينجو من هذا الإرهاب الأعمى أحد وهو تحد صعب للجميع لكن يفرض أيضا على الجميع مواجهة هذا التحدي الصعب بوقف الكراهية ضد الجميع التي هي أوسع انتشارا وحادثة نيوزيلندا تثبت أن الإرهاب يمكن أن يصل لأقصى مكان آمن فإذا لم يتحرك العالم بشكل جماعي والقضاء على مستنقعات الكراهية والنزاعات التقليدية التي يغفلها العالم ولا يربطها بإنتاج العنف والكراهية والإرهاب والتوقف عن ربط الإرهاب بالدين الإسلامي كما كان في الفترة الماضية عند محاربة داعش.

النظام العالمي الجديد الذي صاغه بوش الأب ما بعد الحرب الباردة ينزلق نحو الفوضى، ودخلت الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط فريسة للصراع على النفوذ والمصالح بينها من جهة، ومع القوى الكبرى من جهة أخرى.

السياسات الإنعزالية في الولايات المتحدة ليست حلا ولا يحميها من موجة الإرهاب القادمة، إلى جانب صعود التيار اليمني في أوربا، المرتبط ببروز ظاهرة الإسلاموفوبيا، التي تعادي المسلمين واللاجئين.

إذا لم يتوقف الصراع بين الدول الإقليمية على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، وضبط العلاقة بين الدول الكبرى من جهة ومع الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، فستشهد المنطقة موجة أكبر من لجوء ملاين البشر سواء بسبب تفاقم الفقر والصراعات والفتن الطائفية التي سمح لإيران بقيادتها في المنطقة، وترك إسرائيل تسرح وتمرح كما يحلو لها مستثمرة الصراع في المنطقة لصالحها.

من الواضح أصبحت منطقة الشرق الأوسط هي التي ترسم معالم ملامح المرحلة المقبلة بين الولايات المتحدة وبقية الأقطاب الدولية الجديدة الأوربية وروسيا والصين.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button