د. أحمد علي الشهري

الإرهاب بدافع الكراهية

في تغريدة عبر حسابه الرسمي بموقع “تويتر” دان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الحادث الإرهابي الذي استهدف مسجدين في نيوزيلندا الجمعة الفائتة، قائلًا: إن “المجزرة الشنيعة في استهداف المصلين الآمنين، عمل إرهابي”، وأكد “أن المجتمع الدولي مسؤول عن مواجهة خطابات الكراهية والإرهاب، التي لا تقرها الأديان ولا قيم التعايش بين الشعوب”. وكما هي عادته “حفظه الله” في الدعوة إلى الحوار، وأنه السبيل الأمثل للتفاهم والتعاون المتبادل في العلاقات الإنسانية والتعايش السلمي بين الشعوب، وسعيه المتواصل إلى مكافحة التطرف ومناهضة دعوات العنف، وإلى إحلال السلام في شتى بقاع العالم من خلال الحوار.

رغم تعدد الاتفاقيات الدولية والتشريعات المناهضة للكراهية والتمييز والعنصرية، ورغم تصاعد اهتمام المجتمع الدولي إلى أن اعتبر الكراهية سلوكًا مجرمًا، بدءًا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وانتهاءً بالعهد الدولي للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، لكن الممارسات الدولية تكشف عن شيوع أنماط من الكراهية والتمييز، والتي اختلطت بالقيم الثقافية لدى شريحة واسعة من مواطنيها؛ مما صعد من وتيرة الاتجاهات المعادية لقيم التسامح والتعايش، ورفض قبول الآخر.

لا يشكل الشعور بالكراهية نحو الآخر بسبب جنسه أو لونه أو فكره أو معتقده بحد ذاته معضلة، إنما أن يعبر عنها بسلوك أو ممارسة، هو جوهر المشكلة، وغالبًا ما يقع تحت “الكراهية” نوعان من السلوك: يندرج الأول تحت “الجرائم اللفظية” وهو “خطاب الكراهية”، بينما يندرج الثاني تحت طائلة الجرائم الفعلية بمعنى الاعتداء على الأشخاص أو المجموعات، وتسمى هنا “جرائم الكراهية”.

 حينما نبحث عن تفسيرات منطقية لما يجري اليوم، نجد أن عددًا من الباحثين يعزو تنامي الكراهية في بعض دول أوروبا إلى أن انتماءات الأفراد إلى روابط الدين أو العرق أو الأصل أو الطائفة طغت على الانتماء للدولة الوطنية، بينما يرى آخرون أن الكراهية مرتبطة بمدى إحساس الفرد بوجود تهديد حقيقي من تواجد الآخر في مجتمعه أو وطنه، وهذا ما برر به الإرهابي عمله الجبان بنيوزلندا، ويفسر بعضهم تنامي هذه الكراهية تجاه المسلمين بالذات إلى أنها تنبع في الأساس من ربط المسلمين بالعنف والاعتقاد بأنهم يدعمون المنظمات الإرهابية كالقاعدة، وداعش، وحزب الله.

وإذا تأملنا ما عليه الحال في المملكة العربية السعودية نجدها من أوائل الدول التي وقفت موقفًا أخلاقيًا نحو خطورة نزعة الكراهية، الساعية إلى تقويض السلم والتعايش، ولما لها من آثار كارثية تتسبب في تصدع وانقسام المجتمعات كافة. ونجدها حاضرة في كافة المناسبات والمنابر الدولية، لتبعث برسالة مضمونها أن الديانات الإلهية تهدف إلى تحقيق السعادة والعدل والأمن والسلام للبشر جميعًا، وتسعى إلى تقوية سبل التفاهم والتعايش بين الشعوب على الرغم من اختلاف أصولها وألوانها ولغاتها.

وفي سبيل تحقيق هذه المبادئ وتنزيلها إلى أرض الواقع التطبيقي، اتخذت المملكة عددًا من الإجراءات والتدابير، وسنت من القوانين الوطنية ما يكفل القضاء على جميع أشكال الكراهية أو التحريض أو التمييز على أساس عرقي أو ديني أو لون وخلافه. من ذلك تجريم نشر الأفكار القائمة على السمو العنصري أو الكراهية وإثارة النعرات والتفرقة عبر مختلف وسائط التعبير المكتوبة والمرئية والٱلكترونية والمعلوماتية؛ حيث جاء في نص المادة (٣٩) من النظام الأساسي للحكم “تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة، وبأنظمة الدولة، وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها، ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة، أو الانقسام، أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة، أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، وتبين الأنظمة كيفية ذلك”. وفي نص المادة (8) من نظام الإذاعة الأساسي لسنة 1374هـ الحظر على الإذاعة السعودية إذاعة أية مواد يترتب عليها إحداث تفرقة بين المواطنين، أو الإضرار بمصالحهم، أو الإساءة إلى سمعة البلاد، والتعرض للمسائل الشخصية بالدعاية أو التجريح. كما تحظر أنظمة المملكة إنشاء المنظمات والنشاطات الدعائية ووسائل الإعلام التي تروج للتمييز العنصري. وقد تضمن نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية لسنة 1437هـ حظر إنشاء الجمعية إذا تضمنت لائحتها الأساسية أحكام تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، أو تخالف النظام العام، أو تتنافى مع الآداب العامة، أو تخل بالوحدة الوطنية بحسب الفقرة “2” من المادة (8)منه. ولم تقف هذه الخطوات عند هذا الحد، وإنما تعاملت الدولة مع أسباب الكراهية ونشوئها، وبيان الصورة الحقيقية لسماحة التشريع الإسلامي وموقفه العدل من كافة الأديان والملل؛ حيث جاء في محور “نحيا وفق مبادئنا الإسلامية” من رؤية المملكة “2030” ما نصه ” يمثل الإسلام ومبادئه منهج حياة لنا .. وسيكون منهج الوسطية والتسامح .. مرتكزاتنا الأساسية لتحقيق التنمية “.

دكتوراه في الشريعة والقانون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى