لست دبلوماسيًا بما يكفي للحديث عن الفكر السياسي الذي تـنْـتهجه الدول؛ لتأمين مستقبلها وتطْـويّع حلفائها والتصدّي لأعدائها. ولكن لو نظرنا من زاوية المجتمع للمشهد العالمي لوجدنا أنّ كل الدول بشـتّى أيديولوجياتها تمارس نمطًا محددًا في سياستها؛ للتأثير على الرأي العام لتغييره نحو الأهداف التي تتماهى مع سياساتها الداخلية والخارجية؛ ليكون للدولة قوة تجسّـد أفكارها ومبادئها من أخلاقٍ وتسامحٍ وسلام ويسمى هذا النمط “القوة الناعمة”.
أحبتي:
جاء هذا المصطلح لأول مرة على لسان جوزيف ناي من جامعة هارفارد الذي اشتهر بابتكاره؛ حيث شكّـلت مؤلفاته مصدرًا رئيسيًا؛ لتطوير السياسة الخارجية الأمريكية، علمًا أنّها كــسلوك سياسي موجودة منذ القدم، ولكن كــمصطلح علمي له أُسس جاء كما ذكرنا سابقًا.
وتهدف هذه القوة اجتماعيًا إلى التغلغل في مجالات عدة؛ لتبرز أيديولوجيتها في حقوق الإنسان والبنية التحتية والثقافة والترفيه والفن؛ لتكسب العقول، وتطـوّع العواطف، وتحيّد سلوك الشعب نحو المنهج الذي تراه مناسبًا لسياستها، عن طريق التسامح وقبول الآخر مهما كان الاختلاف معه، ومما زاد أهمية القوة الناعمة تنـوّع أنماطها، وتعدّد أشكالها وابتعادها عن التقليدية المتمثّــل بالقوة القهرية.
وفي ظل السياسة السعودية الجديدة رأت حكومة خادم الحرمين الشريفين أنّها بحاجة ماسّــة إلى إعلام فاعل واسع الانتشار في خضم تحول الإعلام العالمي إلى قوى ناعمة ممنهجة؛ حيث لم يعدْ الاهتمام مُـنْـصبًا على عدد القنوات والإذاعات بقدر مدى أهمية الانتشار، والتأثير الفعّـال داخليًا وخارجيًا لتعزيز النفوذ والمكانة إقليميًا وعالميًا. وبما أنّ السعودية دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي فلها خصوصية اجتماعية ورثتها من أيديولوجيتها العربية والإسلامية في التعامل مع الأزمات والأحداث فليس كلما ينطبق على دول العالم بالضرورة ينطبق عليها.
لذلك سعت إلى شقّ طريقها بنفسها بما يتلاءم مع موروثها؛ لتضع لها بصمة عالمية ذات طابع “سعودي” محض يبرز وجهها الحضاري الذي يدعو إلى المحبة والسلام،وكانت أولى لبنات هذه القوة هي رؤية 2030 بما فيها من برامج ومشاريع وطموحات، حتى أصبحت تضاهي دول العالم المتقدمة في الاستراتيجيات الواعدة.
يتبين لنا من ذلك
بأنّ القوة الناعمة مشروع وطني قبل أنْ تصبح هدفًا نـطمح لتحقيقه، وبما أنّ السعودية مقبلة على طفرةٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ كبيرة فيجب أنْ يواكب ذلك أيديولوجية فكرية ذات وسائل وقوالب فعّالة تصل للداخل والخارج ليتماهى معها المجتمع ويذوب في مشاربها، فليس من المنطق أنْ تبقى بكل إمكانياتها أسيرة لأيديولوجيات الآخرين أو تابعة لأهدافهم بينما يمكنها أنْ تصنع لنفسها منهجًا عالميًا.
إنّ الحملات الإعلامية الشرسة التي تتــعرض لها تستهدف مجتمعها قبل سياستها، تحتاج من صنّاع المحتوى أنْ يضعوا “الوطن” نُـصْـب أعْــينهم بكل مقدراته وامكاناته وعقول أفراده. لأنّ الهجمات التي يتعرضون لها في كل مناحي الحياة اصبحت واضحة، بل أصبح هناك تجنيد علني لوسائل الإعلام لتحارب كل نجاح سعودي وتُــهـوّل كل زلّــة لتـأْثـر على سياستها الداخلية والخارجية.
ولكن بفضل الله أصبح هناك وعي بالمخاطر التي تُــحاك لنا، وأصبح هناك إدراك كبير لأهمية القوة الناعمة التي سوف تنتهجها السياسة السعودية من خلال أبنائها ليصلوا للعالم ويضعوا بصمتهم مهما كانت العقبات لذلك سوف تسمعون في مستقبل الأيام ما سوف يصنعه السعوديون على مختلف الأصعدة وكيف سيكون العالم بكل أطيافه تابعًا لإرادتهم.
همسة:
نحن السعوديون قِــبلة العالم وقُــدوته رغم أنوف الحاقدين.
بقلم:
عبدالرحمن القراش