نسمع اليوم وبكل أسف الكثير من النقد والانتقاص من المرأة، والتقليل من قدراتها على الإنجاز، واتهامها دائمًا بالضعف وقلة الحيلة وغيرها من الاتهامات الكثيرة.
ولو أن الإنسان عاد إلى عقله قليلًا، ونظر بتأمل لوجد أن هذه المرأة التي ينعتها بالضعف والنقص هي أساس بناء الأسرة التي نبني من خلالها الحضارات.
فالمرأة هي التي تلد الإنسان، وهي التي تربيه وتصبر على أذاه، وتعاني معه الكثير من التعب والإجهاد قبل ولادته وبعدها؛ لكي يكون رجلًا يمضي في هذه الحياة بكل ثقة.
والمرأة هي العنوان الكبير لقوة الصبر فهي تصبر على بكاء أطفالها وعلى أخطاء زوجها، وعلى الآلام في جسدها، وعلى عصيان أبنائها، وتعاني كل شيء بصبر واثق لكي تظل الأسرة ثابته ومستقرة.
ولذلك سماها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام “عتبة الباب” عندما جاء إلى ابنه إسماعيل في الزيارة الثانية، ووجد زوجته صابرة ومطمئنة ومتفائلة وراضية بكل ما عندها؛ فقال لها: قولي لإسماعيل إذا جاء (ثبت عتبة بابك)، فقال لها إسماعيل عليه السلام – عندما جاء اليها – هذا يعني أنه رضي عنك، وأمرني بإبقائك زوجة صالحة لي.
فالمرأة هي أساس المنزل فهي التي يأوي إليها الزوج في سكناه كما قال الله في القرآن: (خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم حينما أتاه جبريل في قصة “اقرأ” المعروفة وخاف صلى الله عليه وسلم ذهب مباشرة إلى أحضان زوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وقال لها: (زمولني زملوني).
ودائمًا سكنى الرجل – بعد أن تبنيه أمه وتصنع منه إنسانًا قادرًا على إدارة حياته – تكون عند زوجته التي تشكل له رافدًا مهمًا من روافد حياته فهو كذلك ينتقل من دعم امرأة إلى أخرى؛ ولذلك تقول العرب: (وراء كل رجل عظيم امرأة) .. وأنا أضيف كلمة (عظيمة)؛ لأنها كانت عظيمة في نبلها فهي تدعم الرجل سواء كان ابنها أو زوجها ليكون عظيمًا وبذلك فإنها تساهم بشكل كبير في بناء حضارة راسخة.
ودور المرأة مهم في بناء الحضارة ولذلك يقال: (إذا أردت هدم حضارة فعليك بهدم الأسرة) فالأسرة هي أساس بناء المجتمعات التي تتكون من ملايين الأسر الممتدة واصل الأسرة يكمن في المرأة الصالحة وبالتالي إذا قللنا من دور المرأة وانتقصنا من قدراتها – كما أسلفت في بداية المقال – وجعلنا المرأة تخجل من دورها العظيم في الحياة وهو (ربة منزل) فإننا بذلك ندق ناقوس الخطر في جدار الأسرة، وبالتالي عندما تهدم الأسرة فتلقائي سيفكك المجتمع، وتنهار الحضارة وتمحى من تاريخنا للأبد.
وعدم احترام المرأة وانتقاصها ليس من الهدي النبوي، فلقد أمرنا الله باتخاذ النبي محمد صلى الله عليه وسلم كأسوة حسنة في الحياة كما قال في القرآن: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع للمرأة، ويثق برجاحة عقلها في مواقف كثيرة منها عندما غضب الصحابة في عمرة القضاء، وامتنعوا عن حلق رؤوسهم ونحر جمالهم إشارة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يخرج ويحلق رأسه وينحر بُدُنه وسيفعل الصحابة مثله .. ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ما أشارت به، وقد حصل مثلما ما قالت حيث امتثل الصحابة فورًا فحلقوا ونحروا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني دائما على نسائه ويقدرهم فلقد قال في أم المؤمنين خديجة: (ما أبدلني الله خيرا منها فلقد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس).
وقال عن أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (رزقت حبها) وغير ذلك من الأفعال الكثيرة التي تؤكد بشكل كبير على تقدير النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة إيمانً منه بقدرتها على صناعة الفارق في الحياة.
حكمة المقال:
المرأة تبني الأسرة .. والأسرة تبني المجتمع .. إذن فالمرأة هي التي تبني الحضارات.