عدم استقرار الأسعار في السوق الدولي للنفط، يشكل أبرز المخاطر التي تهدد الميزانية السعودية التي تعتمد (بعد الله) على هذه المادة القابلة للنضوب. وحسب تقرير وزارة المالية عن ميزانية عام 2019، فقد بلغت قيمة الإيرادات 975 مليار ريال، كما بلغت قيمة النفقات 1106 مليار ريال موزعة بين نفقات استثمارية بقيمة 246 مليار، ونفقات تشغيلية بقيمة 860 مليار ريال (تصرف الدولة منها 450 مليار ريال تقريبًا كرواتب وأجور)، وهذا الإنفاق يتعارض مع رؤية 2030 وتوصيات سياسات صندوق النقد الدولي.
وحيث إننا لسنا دولة صناعية، فإن الاستمرار على هذا المنوال من الإنفاق السنوي، سيثقل كاهل الميزانية الحكومية في ظل تنامي عدد السكان واتساع المدن والحاجة لتطويرها وإنشاء، وتأهيل البنى التحتية للدولة، لذا وحتى (نتمكن من الوفاء بمتطلبات التنمية) لابد أن تتكامل الأدوار بين القطاع الحكومي (بكل التزاماته تجاه الوطن والشعب)، والقطاع الخاص (الشركات والمؤسسات) للاضطلاع بمسؤوليته الاجتماعية الوطنية (وما يتفرع عنها)؛ للمساهمة في بناء وطن طموح.
الشركات بالإضافة إلى مهمتها الأساسية في تقوية العائد الاقتصادي لها، عليها التزام وواجب للمساهمة بأعمال تعود بالنفع على المجتمع وأفراده وبيئته أيضًا؛ لذا تبدو الحاجة ملحةٍ لوجود مؤشرٍ لتقييم كفاءة وفعالية أداء الشركات من حيث المسؤولية الاجتماعية وغيرها، وبناء مؤشر التقييم هذا يتطلب أن تتولى الجهة المختصة التنسيق مع الجهات ذات العلاقة مثل (وزارة البيئة والزراعة والمياه، وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وزير الخدمة المدنية، الهيئة العامة للرياضة…)؛ لإعداد المعايير والقياسات البيئية والاجتماعية للحصول على مؤشر المسؤولية الاجتماعية للشركات، وربما يستعين المختصون في قطاعات الدولة بتقييم الشركات على ذلك المؤشر بحيث تحظى الشركات الأعلى تقييما ببعض مشروعات الدولة حسب نشاطها.
من (المعايير البيئية) التي يمكن إضافتها للمؤشر كيفية مساهمة القطاع الخاص في السيطرة على الغازات والمواد المنبعثة والنفايات وإعادة التدوير، على سبيل المثال لدينا العديد من مصانع الحديد والأسمنت والبلاستيك والأغذية، ما دورهم ونسبة مساهمتهم في الحفاظ على البيئة وتخفيض التلوث الصناعي؟ لم لا يكون هناك دور لشركات المقاولات في تطوير الخدمات العامة على الطرق بين المدن؟ الشركات الزراعية لابد لها من مساهمات في تشجير المساحات أو خلق واحات طبيعية على الطرق البرية.
علاقة الشركة بمنسوبيها تعتبر من (المعايير الاجتماعية) التي يمكن إضافتها لمؤشر التقييم، مثلًا، لدينا أكثر من 10 بنوك في السعودية حققت خلال 2018م أرباحًا تقارب 50 مليار ريال، ما الذي يمنع الشركات من عقد تحالفات مع البنوك لخدمة منسوبيها عن طريق تطوير مخططات سكنية يتم توزيعها على منسوبي تلك الشركات بنظام الأقساط بدون أرباح إضافية أو مخفية على أن يتم صرف بدل السكن كبدل تعليم. لماذا لا تساهم شركات الاتصالات بتأمين خدمات النت لكافة المدارس (مجانًا) على أن تقوم شركات التقنية بإنشاء شبكات الحاسب الآلي في تلك المدارس. من (المعايير الاجتماعية) أيضًا مكافحة الشركات لكافة أنواع الفساد المالي والإداري، ووضع الضوابط والإجراءات للحيلولة دون وقوعه في تعاملاتها.
التزمت الدولة من خلال رؤية 2030 على تطوير الأنظمة واللوائح الخاصة بالعمل الاجتماعي دعمًا منها لتفعيل دور الشركات في هذا المجال، إن تكامل القطاعين في القيام بأعمال المسؤولية الاجتماعية يساعد في بناء ودعم شركات قوية تكون لبنةً لاقتصادٍ مزدهرٍ من أجل بناء وطنٍ طموح