لستُ متعمقًا في العلوم الدينية، وما أنا ممن يبحرون في أعماق أصولها أو من الذين يغوصون في بحور فتواها.
لكنني أعلم يقينًا أن التعاملات الإنسانية لا يحكمها جاهل متطرف، ويحدد إطارها جنون الغلو ..لأنها تُبنى على أسس تستمد قوتها من الوسطية والاعتدال .. وهذا ما حثنا عليه ديننا الإسلامي السمح، وأمرنا به رسولنا عليه أفضل الصلوات والتسليم ..فلا يستقيم التعامل إلا بالحسنى ولا تصفى القلوب إلا بحسن المعاملة.
وديننا الإسلامي الكامل مهّد لنا طريقًا قويمًا نلتمس فيه النجاة _برحمة الله_ فلامجال لتأويلات ولا لتفسيرات تضيق مسار هذا الطريق الرباني الواسع .. ولا قبول أو تمكين لم أراد أن يفصل قيمنا السامية عن تعاليم ديننا السمحة ..فحب واحترام وتقدير الآخر هي قيم إنسانية مغروسة في النفوس المؤمنة.. أينما حلّ أصحابها يفوح بالورد أريجها.
ولا أخفي إعجابي بما رأيته في مساجد الرياض من دقة التصميم، وهندسة العمارة، وجودة التأثيث، ونظافة البيئة، وكذلك محافظة الشباب على الصلوات جماعة في تلك المساجد وكم هي السعادة بحسن تعامل أهل الرياض، وتآلفهم، وتكاتفهم، وحرصهم على فعل الخير .. وما ذلك إلا أنموذج لباقي مناطق وطننا الغالي.
لكن الذي استوقفني، وجعلني أكتب هذا المقال هو أن عددًا ليس قليلًا ممن يأتون لأداء الصلاة مبكرين في أحد المساجد الكبرى هناك يقومون بسلوك [حجز مكان في الصف الأول]، وهذا السلوك لم أرَ مثله ولا أعلم عن مدى صحة فعله دينيًا إلا أنني لم أحبذه، بل إنه ساءني أن يحدث من كبار السن وصغارهم في مكان العبادة …الذي رأيته أن القادم للصلاة في الصف الأول يضع إحدى أدواته الشخصية في مكانه إذا ذهب منه حتى لا يحتله شخص آخر .. بل إن الأمر تجاوز ذلك ليحجز أحدهم أكثر من مكان بجانبه لأصدقائه المتأخرين.. فتجد عن يمينك وعن شمالك على الأرض
في الصف الأول قبل إقامة الصلاة .. قائمة بالأدوات من أشمغة أو عقل أو مفاتيح وأقلام وغير ذلك مما يخطر ببالك .. ولن يكون لك مكانا في المقدمة طالما أن المفتاح أو الشماغ يترززان فيه.
فلعل عناية وزارة الشؤون الإسلامية توجه، وتوعي، وترشد المعنيين بأهمية الحرص على مظهر المسجد الداخلي، وتجنب أي سلوك يشوه منظر المكان ويلوث بصر المصلين، وتمنع كل من يريد أن يحتل مكانًا في الصف الأول، ويحرم غيره منه بطريقة غير لائقة أو بأسلوب غير مألوف؛ لكيلا تصبح هذه الحجوزات ظاهرة في مساجدنا، ونصطدم بواقع مؤلم نكون فيه على قائمة الانتظار إذا حضر المفتاح والشماغ في الصف الأول.