2 رمضان
(ومضات الوهج)
الومضة الثانية
كيف يشري الإنسان نفسه ابتغاء مرضات الله؟؟
حين نقرأ الآية الكريمة 207 من سورة البقرة (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله و الله رؤوف بالعباد).. قد يحتار البعض في المعنى المراد من الآية الكريمة فيظن أن الفعل يشري هنا يعني – كما درج بين عموم الناس – أن يشتري نفسه وهذا تفسير غير صحيح للآية الكريمة.. فالفعل “شرى” في اللغة العربية يعني باع و أخذ الثمن.. والشار(بكسر الراء) – اسم فاعل من شرى- هو البائع وهو من يملك البضاعة .. أما المشتر فهو عكس الشاري وهو الشخص الذي يشتري البضاعة أي يأخذها ويتملكها مقابل دفع ثمنها.. ودليل ذلك قول الله تعالى في سورة يوسف عن السيارة الذين وجدوا يوسف في البئر (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) أي تصرفوا فيه كبضاعة لديهم و باعوه بثمن زهيد وفي تفسير ابن كثير ذكر أن الضمير في شروه تعود على إخوة سيدنا يوسف لأن آخر الآية (وكانوا فيه من الزاهدين) تعود عليهم بينما قال قتادة أنها تعود على السيارة.. أيهم كان من باع هنا سواء السيارة أو إخوة يوسف فالغرض تبيين معنى شرى أي باع – بينما كان هناك من اشتراه و حصل عليه (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته).. إذن المعنى المراد في الآية 207 في سورة البقرة إنما قيل أن الآية نزلت في المهاجرين و الأنصار و في تفاسير أخرى ذكر أنها نزلت في أبي ذر الغفاري وذكر أيضا انها نزلت في العموم لتصف كل من يبيع نفسه فيدافع عن دين الله و يجاهد ابتغاء لرضا الله .. وأيضا ذكر أنها نزلت في صهيب الرومي وكان قد أسلم وأراد الهجرة الى المدينة و كان ذا مال و غنى.. فمنعه المشركون إلا أن يترك ماله وراءه و يرحل و بالفعل فعل ذلك.. فاستغنى بإيمانه ورغبته في الحصول على رضا الله عن المال و الثروة.. فقد باع ماله الذي كسبه عبر السنين كدا و جهدا ليشتري مرضاة الله وجزيل ثوابه.. وقد قال عنه رسول الله حين بلغه ماصنع ووافاه للمدينة (ربح صهيب البيع)..
ونظير ذلك في قوله تعالى (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) 74، النساء.. أي يبيعون الدنيا و يشترون الآخرة زهدا في الدنيا وطلبا للآخرة و الجنة بإذن الله..
لطائف مستفادة:
– أيها المشتر هلم إلى الشهر الكريم فبضاعته مزجاة ألا إن بضاعة هذا الشهر الجنة و العتق من النار.. فكن “شاريا” للدنيا و ملذاتها.. “مشتريا” للجنة و الثواب الجزيل..
هذا شهر تشترى فيه الحسنات و الثمن ركعات تركعها ومصحفا تختمه و صدقة تخرجها ويسبق كل ذلك رضا الله و قبوله للعمل فهلا دفعت الثمن الزهيد مقابل الصيد الوفير..
– ثق أخي و أخيتي بأنك لو بعت مالديك من الدنيا لتشتري رضا الله.. ثق بأن الله سيشملك برأفة منه ورحمة كما جاء في الآية الكريمة (والله رؤوف بالعباد) تلك الرحمة التي تقلل في عينيك مابعت و تعملق الآخرة و جزاءها في وجدانك فلا تندم على مافاتك من الدنيا و مافيها..
رب اجعلنا ممن يشرون الدنيا بالآخرة..