ومضات الوهج
الومضة (٣)
(يرزق من يشاء… )
في سورة آل عمران آيات كريمات(37 إلى 41) تتضمن بعض ملامح قصة زكريا عليه السلام مع مريم ابنة عمران،
حيث كفلها ربها زكريا وكان كلما دخل عليها المحراب وجد عندها مايثير الدهشة و الحيرة.. يقول تعالى(كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يمريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب).. يجد عندها صنوفا من فواكه وطعام إما من غير بيئتهم أو أن يجد ثمرة الصيف في الشتاء و ثمرة الشتاء في الصيف.. حينها (هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) فقد هال زكريا ماوجده عند مريم و حرك ذلك ما انعقد عليه قلبه و عقله من إيمان و تصديق إلى بؤرة الشعور و الإدراك لديه فقد كان زكريا بلا ولد و لاذرية و حين رأى عظمة قدرة الله في أن يهب الرزق لمن يشاء في غير حينه عاد ليرجو أن يمنحه الله الولد الذي ينتظر حيث أن امرأته كانت عاقرا وهو قد كبر في السن و مع ذلك فإن المعجزات تحدث و الله قادر على كل شيء، حينها دعا زكريه ربه بأن يهبه الذرية ورجا ربه أن تكون طيبة مباركة فهو يريدها ليس فقط لمتعة الإنجاب كونها زينة الدنيا بل لأن اهل بيته قد انقرضوا فأراد الذرية ليستمر ميراث النبوة في عائلته و نسله.. ويسخر الله للدعوة من يحملها عقبه .. وختم دعاءه بثناء و تأكيد و إقرار بسماع الله لشكواه بل و إجابتها فور سماعه لها فهو الكريم .. ثم استوقفتني هنا الآيات التي تليها و جعلتني أفكر بعمق وحيرة :(فنادته الملائكة و هو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحي) و في هذا إجابة لدعائه ومع ذلك فالآية التي تليها تنبئ بتعجب زكريا.. يقول تعالى (قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر و امرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل مايشاء) وهذا أمر محير فأنى له أن يتوسل إليه بطلب الذرية والولد و كيف يتعجب بعدها و يتساءل.. ويفسر هذا الأمر ماورد في التفاسير و الأثر بأن الملائكة قد بشرت زكريا بالولد أثناء صلاته ولهذا جاءه الشيطان يوسوس له ويقول بأن النداء الذي بلغك إنما هو من عند الشيطان ليسخر بك و ليس من عند الله.. فاضطرب زكريا وداخله الوسواس فأراد أن يطرد الشك باليقين فسأل الله سبحانه عن ذلك، إذن زكريا إنما سأل سؤال من أراد أن يؤكد له ربه الحقيقة ويزيل عنه ما خالطه من الوسواس، وجاء أيضا في بعض التفاسير بأن مسألة زكريا ربه إنما هي مسألة عادية حول من ستكون أم الطفل.. هل هي زوجته وهي عاقر أم ستكون امرأة أخرى غير زوجته الحالية .. فكان رد الله قاطعا بقدرة الله على فعل مايشاء ثم طلب زكريا آية من ربه مستثبتا فجعل الله آيته ألا يكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا فقد أصيب في لسانه بامتلاء وزيادة حتى ملأ جوف حلقه وبالتالي لم يكن يستطع الكلام إلا رمزا باليدين أو حركة الشفتين أو الايماءة وفي هذا عقاب لزكريا كونه طلب الآية بالرغم من مشافهة الملائكة له بالبشارة .. ومع ذلك أمره خلالها بالذكر و التسبيح صباحا و مساء….
كانت تلك قصة زكريا التي تجسد يقين الإنسان بقدرة ربه و لنا فيها ومنها لطائف و استفادات :
– لايأس مع وجود رب قادر يهبك ماتشاء إن شاء سبحانه ومن ثم صدقته في الدعاء رجاء و تذللا وكلمة(هب) إنما تعني امنحني يا إلهي وسيدي حتى مع انتفاء الأسباب ، فحين يهب الخالق يعطي بلا حساب و بلا مقابل وبإعجاز لا تدركه الأسباب فالحذر من الافتتان بالأسباب مهما أوتيت منها فربك هو الواهب سبحانه.. فارتفع بسقف دعائك حتى يصل عنان السماء طالما تطلب أمرا مشروعا لاحرام فيه ولاأذى لأحدهم.
– الذكر و ما أدراك ما الذكر.. لو رخص الله تعالى لأحد ترك الذكر لرخص لزكريا.. رجل مربوط اللسان يشير بالرمز و الايماءة ومع ذلك يأمره تعالى بالتسبيح والذكر فذلك لايتوقف بتعطل اللسان و لعل في ذلك استغفارا منه لما أوجب عليه العقوبة..
رب هب لنا كما وهبت زكريا مانرجوه وإن عدمت الأسباب وعزت و اجعلنا ذاكرين مسبحين عشيا و إبكارا ..